الذِّكْرِ) قال : الكتب كلّها ذكر و (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) قال
__________________
ـ ولم يدع الخلق سدى من غير حجّة؟ هل تعرفونهم أو تجدونهم إلّا من فروع الشجرة المباركة ، وبقايا الصفوة الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيرا ، وبرّأهم من الآفات ، وافترض مودّتهم في الكتاب؟ (جواهر العقدين : القسم الثاني ، الذكر الرابع ، الصواعق المحرقة : ص ١٥٠ في الباب الحادي عشر الفصل الأوّل في الآيات الواردة فيهم في تفسير الآية الخامسة).
وعلى هذا فلا يجوز الاعتماد والاحتجاج فيما وقعت الامّة فيه من الاختلاف في تفسير الكتاب أو سائر ما يؤخذ من الدين إذا لم يكن هناك قاطع البرهان أو نصّ واضح من الكتاب أو السنّة ، إلّا على ما خرج من هذا البيت الشريف النبوي صلىاللهعليهوآلهوسلم وصدر من العترة الطاهرة عليهمالسلام لا يجوز العدول عنهم إلى غيرهم كائنا من كان. إذن فالمتّبع في تفسير الآية هي الروايات الصادرة عنهم عليهمالسلام.
هذا مضافا إلى أنّ تفسير الأرض بأرض الشام خلاف سياق الآية وظاهرها ، فإنّ المناسبة تقتضي أن يكون الصالحون وارثين للأرض في كلّ البقاع والبلاد ، ولا وجه للاختصاص كما أنّ كون المراد منها الأرض التي تجتمع فيها الأرواح أيضا لا يناسب سياق الآية وظاهرها ، بل الظاهر أنّ ذلك إخبار وبشارة بأمر سيقع في المستقبل وفي آخر الزمان ، وينتهي إليه مسير هذا العالم وهذه الكرة التي ملكها الفجّار والكفّار والجبابرة الظّلمة والطواغيت في أكثر الأحيان وأغلب الأزمان ، فبشّر الله تعالى عباده الصالحين بدورة صالحة لهذه الأرض يرثها عباده الصالحون.
قال الآلوسي (تفسير روح المعاني : في تفسير الآية ١٠٥ من سورة الأنبياء) : إنّ المراد بها أرض الدنيا يرثها المؤمنون ويستولون عليها ، وقال : وإن قلنا بأنّ جميع ذلك يكون في حوزة المؤمنين أيّام المهدي ـ رضي الله تعالى عنه ـ ونزول عيسى عليه فلا حاجة إلى ما ذكر. فكأنّه ارتضى أنّ المراد بالآية الوعد بحصول جميع الأرض في حوزة الإسلام والمؤمنين أيّام المهدي عليهالسلام ودولته العالميّة.
وفي روح البيان في تفسير الآية ١٠٥ من سورة الأنبياء) : (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ) أي عامّة المؤمنين بعد إجلاء الكفّار ، كما قال : (وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وهذا وعد بإظهار الدين واعزاز أهله ، انتهى.
فلا ريب أنّ الآية بشارة لما سيحقّق لهذه الامّة من النصر والاستيلاء على الأرض كلّها. ـ