أخذ في بعض مخارج الفلاة ، فبدت لنا خيمة شعر قد أشرفت على أكمة رمل ، تتلألأ تلك البقاع منها تلألؤا ، فبدرني إلى الإذن ، ودخل مسلّما عليهما وأعلمهما بمكاني ، فخرج علي أحدهما وهو الأكبر سنّا «م ح م د» بن الحسن عليهماالسلام ، وهو غلام أمرد ناصع اللون ، واضح الجبين ، أبلج الحاجب ، مسنون الخدّين ، أقنى الأنف ، أشمّ ، أروع كأنّه غصن بان ، وكأنّ صفحة غرّته كوكب درّيّ ، بخدّه الأيمن خال كأنه فتات مسك على بياض الفضّة ، وإذا برأسه وفرة سحماء سبطة تطالع شحمة اذنه ، له سمت ما رأت العيون أقصد منه ولا أعرف حسنا وسكينة وحياء ، فلمّا مثل لي أسرعت الى تلقّيه ، فأكببت عليه ألثم كلّ جارحة منه ، فقال لي : مرحبا بك يا أبا إسحاق! لقد كانت الأيام تعدني وشك لقائك ، والمعاتب بيني وبينك على تشاحط الدار وتراخي المزار ، تتخيّل لي صورتك حتى كأنّا لم نخل طرفة عين من طيب المحادثة ، وخيال المشاهدة ، وأنا أحمد الله ربّي ولي الحمد على ما قيّض من التلاقي ورفّه من كربة التنازع ، والاستشراف عن أحوالها متقدّمها ومتأخّرها ، فقلت : بأبي أنت وامّي ، ما زلت أفحص عن أمرك بلدا فبلدا منذ استأثر الله بسيدي أبي محمد عليهالسلام ، فاستغلق عليّ ذلك حتى منّ الله عليّ بمن أرشدني إليك ودلّني عليك ، والشكر لله على ما أوزعني فيك من كريم اليد والطول ؛ ثم نسب نفسه وأخاه موسى واعتزل بي ناحية ، ثم قال : إن أبي عليهالسلام عهد إلي أن لا أوطن من الأرض إلّا أخفاها وأقصاها إسرارا لأمري ، وتحصينا لمحلّي لمكايد أهل الضلال ، والمردة من أحداث الامم الضوالّ ، فنبذني الى عالية الرمال ، وجبت صرائم الأرض ، ينظرني الغاية التي عندها يحلّ الأمر ، وينجلي الهلع ، وكان عليهالسلام