الناس بأنّ الله تعالى قد أوضح السبل فأرسل الرسل فبلّغوا ونصحوا إذ كنتم واقفين على الحقايق المودعة في الكتاب المبين المنطوي على أحكام الدين وأحوال الأُمم أجمعين حاوياً لشرايط الشهادة عليهم.
روي أنّ الأُمم يوم القيامة يجحدون تبليغ الأنبياء عليهم السلام فيطالب الله تعالى الأنبياء بالبيّنة عليه على أنّهم قد بلّغوا ، وهو أعلم للحجّة على الجاحدين وزيادة لخزيهم ، فيؤتى باُمّة محمّد صلى الله عليه واله فيشهدون. فيقول الأُمم : من أين عرفتم؟ فيقولون : عرفنا ذلك بإخبار الله تعالى في كتابه الناطق على لسان نبيّه الصادق ، فيؤتى عند ذلك بمحمّد صلى الله عليه واله ويُسئل عن أُمّته فيزكّيهم ويشهد بعدالتهم ، وذلك قوله تعالى : «وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» (١) ومن الحكمة في ذلك ، تمييز أُمّة محمّد صلى الله عليه واله في الفضل عن ساير الأُمم حيث يبادرون إلى تصديق الله وتصديق الأنبياء والإيمان بهم جميعاً ، فهم بالنسبة إلى غيرهم كالعدل بالنسبة إلى الفاسق فلذلك تقبل شهادتهم على الأُمم ولا تقبل شهادة الأُمم عليهم (٢).
وإنّما لم يقل : ويكون الرسول لكم شيهداً ، مع أنّ شهادته لهم لا عليهم؟ لما في الشهيد من معنى الرقيب ، مثل : «وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ» (٣) مع رعاية المطابقة للأوّل وتقديم الظرف ، للدلالة على اختصاص شهادته عليه السلام بهم.
وقيل : إنّ هذه الشهادة في الدنيا وذلك أنّ الشاهد في عرف الشرع :
__________________
١ ـ البقرة : ١٤٣.
٢ ـ أنوار التنزيل : ج ١ ، ص ٨٧ ، مع اختلاف يسير في بعض العبارة وتفسير النيسابوري في هامش ، تفسير الطبري ج ٢ ، ص ١٢.
٣ ـ البروج : ٩.