نبيّنا صلى الله عليه واله ، خاتم الأنبياء والمرسلين ، فلا أحد ينبىء بعده ، ولا يقدح فيه نزول عيسى عليه السلام بعده ، لأنّه ممّن نبّىء قبله وحين ينزل إنّما ينزل عاملاً على شريعة محمّد صلى الله عليه واله مصلّياً إلى قبلته كأنّه بعض أُمّته.
قوله عليه السلام : «وجعلنا شهداء على من جحد» الشهداء : جمع شهيد ، فعيل بمعنى فاعل من شهد على الشيىء : اطّلع عليه وعاينه ، فهو شهيد وشاهد.
وجحده حقّه يجحده جحداً وجحوداً ، من باب ـ منع ـ : أنكره ، ولا يكون إلاّ على علم من الجاحد به ، وفي هذه الفقرة إشارة إلى قوله تعالى : «وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا» (١).
و «الوسط» في الأصل اسم لما تستوي نسبة الجوانب إليه كمركز الدائرة ، ثم استعير للخصال المحمودة البشريّة ، لكن لا لأنّ الأطراف يتسارع إليها الخلل والأوسط محوّطة كما قيل ، فإنّ تلك العلّامة بمعزلٍ من الإعتبار في هذا المقام ، إذ لا ملابسة بينها وبين أهليّة الشهادة التي جعلت غاية للجعل المذكور ، بل كون تلك الخصال ، أوساطاً للخصال الذميمة المكتنفة بها من طرفي الإفراط والتفريط ، كالعفّة التي طرفاها الفجور والخمود وكالشجاعة التي طرفاها : التهوّر والجبن ، وكالحكمة التي طرفاها : الجربزة والبلادة ، ثمّ اطلق على المتّصف بها مبالغة كأنّه نفسها ، وسوّى فيه بين المفرد والجمع والمذكّر والمؤنث رعاية لجانب الأصل كساير الأسماء التي يوصف بها ، أي جعلناكم متّصفين بالخصال الحميدة ، خياراً ، عدولاً ، مزكّين بالعلم والعمل لتكونوا شهداء على
__________________
١ ـ البقرة : ١٤٣.