وأما ما لا قاه عليه السلام من المكروه والمشقّة في ذات الله فمن قرأ كتب السير علم ذلك : كإستهزاء قريش به في أوّل الدعوة ، ورميهم إيّاه بالحجارة حتّى أدموا عقبيه ، وصياح الصبيان به ، وفرث الكرش على رأسه ، وفتل الثوب في عنقه ، وحصره مع أهله في شعب بنى هاشم عدّة سنين محرّمة معاملتهم ومبايعتهم ومناكحتهم وكلامهم حتّى كادوا يموتون جوعاً لو لا أن بعض من كان يحنو عليهم لرحم أو لسبب غيره كان يسرق القليل من الدقيق أو التمر فيلقيه إليهم ليلاً ، ثم قصدهم له بالأذى ، ولأصحابه بالضرب والتعذيب بالجوع والوثاق في الشمس ، وطردهم إيّاهم من شعاب مكّة ، حتّى خرج من خرج منهم إلى الحبشة وخرج هو صلى الله عليه واله مستجيراً منهم تارة بثقيف ، وتارة ببنى عامر ، وتارة بربيعة الفرس وبغيرهم ، ثم أجمعوا على قتله والفتك (١) به ليلاً حتّى هرب منهم ، لا ئذاً بالأوس والخزرج ، تاركاً أهله وولده وما حوته يده ، ناجياً بحشاشة نفسه ، حتّى وصل إلى المدينة ، فناصبوه الحرب ورموه بالكتائب ، وصدقوه القتال والكفاح حتّى أدموا فمه وطاح مغشيّاً عليه ، ولم يزل منهم في عناء شديد وحروب متّصلة إلى أن أكرمه الله تعالى بنصره وأيّده بظهور دينه. ومن له أُنس بالتواريخ يعلم من تفاصيل هذه الأحوال ما يطول شرحه.
* * *
__________________
١ ـ فتكت به فتكاً : بطشت به ، أو قتلته على غفلة ، المصباح المنير : ص ٤٦١ ـ ٤٦٢.