وروي عن مجاهد سبب آخر لرفع الطور قال : أمر موسى قومه أن يدخلوا الباب سجدا ، ويقولوا : حطة ، وطوطئ لهم الباب ليسجدوا ، فلم يسجدوا ، ودخلوا على أدبارهم ، وقالوا : حنطة ، فنتق فوقهم الجبل (١).
وأما المسخ : فرأى الجمهور أن الله تعالى مسخ المعتدين من اليهود بصيد السمك يوم السبت ، وكان العمل فيه محرما من قبل موسى عليهالسلام ، قال قتادة : صار الشبان قردة ، والشيوخ خنازير ، فما نجا إلا الذين نهوا ـ وهي الفرقة التي نهت اليهود عن المخالفة وجاهرت بالنهي واعتزلت ـ وهلك سائرهم.
وروي عن مجاهد في تفسير هذه الآية : أنه إنما مسخت قلوبهم فقط ، وردّت أفهامهم كأفهام القردة.
وأما عظة المخالفين : فإن الله تعالى جعل عقوبة المسخ للعصاة الذين اعتدوا في السبت وصادوا السمك فيه بحيلة ، وقد ذكرها الله تعالى في سورة [الأعراف ٧ / ١٦٣] وهي قوله سبحانه : (وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ ، إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ ، إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً ، وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ ، كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ) أي إنهم اتخذوا حواجز أو أحواضا أمام مدّ مياه البحر ، فإذا رجعت المياه بالجزر ، بقيت الأسماك محجوزة في الأحواض ، فيأتون في صبيحة يوم الأحد ويأخذونها.
كذلك كانت عقوبة اليهود الذين امتنعوا من العمل بالتوراة ، فنسوها وضيعوها ، ولم يتدبروها ولم يحفظوا أوامرها ووعيدها ، كانت عقوبتهم رفع جبل الطور فوقهم كالمظلة.
وهذا يدل على أن المقصود بالكتب السماوية العمل بمقتضاها ، لا تلاوتها باللسان وترتيلها ، فإن ذلك نبذ لها.
__________________
(١) المرجع والمكان السابق.