ذلك في خليقته بمشيئته وإرادته ، لا إله إلا هو ، فخطابه يتبدل ، وعلمه وإرادته لا تتغير ، فإن ذلك محال على الله تعالى.
وجعلت اليهود النسخ والبداء شيئا واحدا ، والفرق بين النسخ والبداء : أن النسخ تحويل العبادة من شيء قد كان حلالا فيحرّم ، أو كان حراما فيحلّل. وأما البداء : فهو ترك ما عزم عليه ، وهذا يلحق البشر لنقصانهم.
والناسخ في الحقيقة هو الله تعالى ، والنسخ : إزالة ما قد استقر من الحكم الشرعي بخطاب وارد متراخ عنه.
والمنسوخ : هو الحكم الثابت نفسه ، لا مثله ، كما تقول المعتزلة : بأنه الخطاب الدال على أن مثل الحكم الثابت فيما يستقبل بالنص المتقدم زائل. وقادهم إلى ذلك مذهبهم في أن الحسن صفة ذاتية للحسن لا تفارقه ، ومراد الله حسن. والفرق بين التخصيص والنسخ أن الأول قصر للحكم على بعض الأفراد ، والثاني قصر له على بعض الأزمان.
وجمهور العلماء على أن النسخ يختص بالأوامر والنواهي ، وأما الأخبار فلا يدخلها النسخ لاستحالة الكذب على الله تعالى. وقد يرد في الشرع أخبار ظاهرها الإطلاق والاستغراق ، ثم تقيد في موضع آخر ، فيرتفع ذلك الإطلاق ، فليس هو من قبيل نسخ الأخبار ، وإنما هو من باب الإطلاق والتقييد ، مثل قوله تعالى : (وَإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ) [البقرة ٢ / ١٨٦] ظاهره خبر عن إجابة كل داع على كل حال ، لكنه قيّد في موضع آخر ، وهو قوله تعالى : (فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ) [الأنعام ٦ / ٤١].