تقضيها ، وانقراض نعيمها ، واغترار الناس بها ، بحال ماء نزل من السماء ، وأنبت أنواع العشب ، وزين بزخرفها وجه الأرض ، كالعروس إذا أخذت الثياب الفاخرة ، حتى إذا طمع أهلها فيها ، وظنوا أنها مسلمة من الجوائح ، أتاها بأس الله فجأة ، فكأنّها لم تكن بالأمس.
وأما الاستعارة التي هي من المجاز اللغوي أي في الكلمة الواحدة لا كالمجاز العقلي فكثيرة أيضا (١) ، مثل قوله تعالى : (وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) [التكوير ٨١ / ١٨]. أستعير خروج النفس شيئا فشيئا لخروج النور من المشرق عند ظهور الفجر قليلا ، ومثل قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً ...) [النساء ٤ / ١٠] شبه مال الأيتام بالنار ، بجامع أن أكله يؤذي ، كما تؤذي النار. ومثل قوله تعالى : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ) [إبراهيم ١٤ / ١] أي لتخرج الناس من جهالاتهم وضلالاتهم إلى الدين القيم والعقيدة الحقة والعلم والأخلاق ، شبه الجهالة والضلالة والعداوة بالظلام ، في أن الإنسان لا يهتدي إلى الطريق الواضح في كل منهما ، وشبه الدين القيم بالنور في أن الإنسان يهتدي إلى الطريق الواضح في كل منهما.
وأما المجاز : فأنكر جماعة من العلماء وجوده في القرآن (منهم الظاهرية ، وبعض الشافعية كأبي حامد الاسفراييني وابن القاصّ ، وبعض المالكية كابن خويز منداد البصري ، وابن تيمية) وشبهتهم أن المجاز أخو الكذب ، والقرآن منزه عنه ، وأن المتكلم لا يعدل إليه إلا إذا ضاقت به الحقيقة فيستعير ، وذلك محال على الله ، فالجدار لا يريد في قوله تعالى : (يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَ) [الكهف ١٨ / ٧٧]. والقرية لا تسأل في قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف ١٢ / ٨٢](٢).
__________________
(١) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة : ص ١٠٢ وما بعدها.
(٢) المرجع السابق : ص ٩٩