(أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) استعارة ، والمراد بها قومه وعشيرته ؛ لأن الإنسان يلجأ إليهم ويستند كالاستناد إلى ركن.
(عالِيَها سافِلَها) بينهما طباق.
المفردات اللغوية :
(سِيءَ بِهِمْ) ساءه مجيئهم وحزن بسببهم ؛ لأنهم جاؤوا في صورة غلمان ، فظن أنهم أناس ، فخاف أن يقصدهم قومه ، فيعجز عن مدافعتهم. (وَضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً) أي ضاق صدره بمجيئهم وكرهه ، وهو كناية عن شدة الانقباض ، للعجز عن مدافعة المكروه ، يقال : ما لي به ذرع أي مالي به طاقة (عَصِيبٌ) شديد الأذى. (يُهْرَعُونَ) يسرعون ، يقال: هرع وأهرع : إذا حمل على الإسراع (وَمِنْ قَبْلُ) قبل مجيئهم (كانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) الفواحش وهي إتيان الرجال في الأدبار. (هؤُلاءِ بَناتِي) فتزوجوهن (هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ) أنظف فعلا أو أقل فحشا ، وقال أبو حيان : الأحسن أن تكون الإضافة مجازية أي بنات قومي ، أي البنات أطهر لكم ؛ إذ النبي يتنزل منزلة الأب لقومه. وفي قراءة ابن مسعود : «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم ، وهو أب لهم» ويدل عليه : أنه فيما قيل: لم يكن له إلا بنتان ، وهذا بلفظ الجمع ، وأيضا فلا يمكن أن يزوج ابنتيه من جميع قومه. وقيل : أشار إلى بنات نفسه ، وندبهم إلى النكاح ؛ إذ كان من سنتهم تزويج المؤمنة بالكافر. وقيل : (أحل وأطهر) ليس أفعل التفضيل ؛ إذ لا طهارة في إتيان الذكور. (وَلا تُخْزُونِ) تفضحوني ، من الخزي ، أو لا تخجلوني من الخزاية بمعنى الحياء (فِي ضَيْفِي) أضيافي ، يطلق الضيف على الواحد والجمع (رَشِيدٌ) ذو رشد وعقل يهتدي إلى الحق ويرعوي عن القبيح (مِنْ حَقٍ) من حاجة (لَتَعْلَمُ ما نُرِيدُ) من إتيان الرجال.
(لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً) طاقة ، أي لو قويت بنفسي على دفعكم (أَوْ آوِي إِلى رُكْنٍ شَدِيدٍ) قوي أمتنع به عنكم ، أو عشيرة تنصرني ، لبطشت بكم (لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ) بسوء (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ) طائفة أو بقية من الليل ، والسّرى : السير ليلا (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) ولا يتخلف أو ولا ينظر إلى ورائه ، والنهي في اللفظ لأحد ، وفي المعنى للوط ، وسبب النهي ألا يرى عظيم ما ينزل بهم (إِلَّا امْرَأَتَكَ) فلا تسر بها (إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ) تعليل بطريقة الاستئناف ، قيل : إنه لم يخرج بها ، وقيل : خرجت والتفتت فقالت : وا قوماه ، فجاءها حجر فقتلها. (إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ) كأنه علة الأمر بالإسراء ، أو قد سألهم عن وقت هلاكهم ، فأخبروه بذلك.
(فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) عذابنا أو أمرنا به (جَعَلْنا عالِيَها) أي قراهم (سافِلَها) بأن رفعها جبريل إلى السماء وأسقطها مقلوبة إلى الأرض (مِنْ سِجِّيلٍ) طين طبخ بالنار ، بدليل آية أخرى (لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ) [الذاريات ٥١ / ٣٣] أي طين متحجر.