عنه فأرتكبه. (إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ) أي ما أريد إلا أن أصلحكم بالعدل ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. (وَما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ) أي وما قدرتي على ذلك وغيره من الطاعات ، وما توفيقي لإصابة الحق والصواب إلا بهدايته ومعونته. (عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) فوضت أمري إليه ، فإنه القادر المتمكن من كل شيء ، وما عداه عاجز في ذاته ، بل معدوم ساقط عن درجة الاعتبار ، وفيه إشارة إلى محض التوحيد. (وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) أرجع ، إشارة إلى معرفة المعاد ، وهو أيضا يفيد الحصر ، بتقديم الصلة على الفعل.
وفي هذه الكلمات طلب التوفيق لإصابة الحق من الله تعالى ، والاستعانة به في أموره كلها ، والإقبال عليه ، وحسم أطماع الكفار ، وعدم المبالاة بمعاداتهم ، وتهديهم بالرجوع إلى الله للجزاء.
(لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي) لا يكسبنكم خلافي الشديد معكم ومعاداتي. (ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ) من الغرق (أَوْ قَوْمَ هُودٍ) من الريح (أَوْ قَوْمَ صالِحٍ) من الرجفة (وَما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ) أي منازلهم أو زمن هلاكهم ، أي مكانا أو زمانا ، فإن لم تعتبروا بمن قبلهم ، فاعتبروا بهم. وإفراد (بِبَعِيدٍ) إما لأن المراد : وما إهلاكهم ببعيد ، أو ما هم بشيء بعيد ، أو بزمان أو مكان بعيد.
(إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ) بالمؤمنين ، عظيم الرحمة بالتائبين. (وَدُودٌ) محب لهم ، فاعل بهم من اللطف والإحسان ما يفعل الصادق الود بمن يوده ، وهو وعد على التوبة بعد الوعيد على الإصرار.
(قالُوا) إيذانا بقلة المبالاة. (ما نَفْقَهُ) ما نفهم ، والفقه : الفهم الدقيق المتعمق. (مِمَّا تَقُولُ) من التوحيد. (ضَعِيفاً) ذليلا (رَهْطُكَ) عشيرتك وقومك ، والرهط : من الثلاثة إلى العشرة. (لَرَجَمْناكَ) بالحجارة. (بِعَزِيزٍ) أي كريم عن الرجم. وهذا ديدن السفيه المحجوج يقابل الحجج والآيات بالسب والتهديد.
(أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللهِ) فتتركوا قتلي لأجلهم ، ولا تحفظوني لله. (وَاتَّخَذْتُمُوهُ) أي الله. (وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) جعلتموه بشرككم كالشيء الملقى خلف الظهر ، لا تراقبونه ، أو كالمنسي المنبوذ وراء الظهر بإشراككم به وإهانة رسوله. (مُحِيطٌ) علما بما تعملون ، فيجازيكم ؛ لأنه لا يخفى عليه شيء منها.
(عَلى مَكانَتِكُمْ) حالتكم وتمكنكم في قوتكم. (إِنِّي عامِلٌ) على حالتي. (سَوْفَ تَعْلَمُونَ) الذي يعذبه الله تعالى. (وَارْتَقِبُوا) انتظروا عاقبة أمركم. (رَقِيبٌ) منتظر. وقد سبق مثله في سورة الأنعام بالفاء : (فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) [الأنعام ٦ / ١٣٥ ومواضع أخرى] والفاء للتصريح بان الإصرار على الكفر سبب للعذاب ، وحذفها هاهنا ؛ لأنه جواب سائل قال : فما ذا يكون بعد ذلك؟ فهو أبلغ في التهويل.
(وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا) بإهلاكهم. (الصَّيْحَةُ) صاح بهم جبريل فهلكوا. (جاثِمِينَ)