ثم ذكر الله تعالى ردّ أهل مدين على شعيب عليهالسلام في الأمر بعبادة الله وحده ، وترك البخس أو عدم نقص الكيل والميزان.
أما الردّ على الأول وهو العبادة لله فقالوا : (يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ ...) أي هل صلاتك (أي الأعمال المخصوصة) ـ وكان شعيب كثير الصلاة ـ تأمرك بترك عبادة الآباء والأجداد وهي عبادة الأوثان والأصنام؟! قالوا ذلك على سبيل الاستهزاء والسخرية ، وأعلنوا التمسك بطريقة التقليد في التدين والإيمان ، كما يقال اليوم لعالم الدين المصلح : هل علمك أو مشيختك دافع لك إلى ترك ما نحن عليه؟!
وأما الرّد على الأمر الثاني وهو ترك البخس فقالوا : (أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوالِنا ..) أي وهل صلاتك تأمرك أن نفعل في أموالنا ما نريد فعله؟ والمقصود بيان أنهم أحرار في أموالهم يتصرفون فيها بما هو مصلحة لهم ، ولا يؤدون الزكاة ، ولا ينفقون منها شيئا في سبيل الخير ، وإنما يزيدونها بمختلف الوسائل ، فما أمرتنا به من ترك التطفيف والبخس ، والاقتناع بالحلال القليل ، وأنه خير من الحرام الكثير ، مناف لسياسة تنمية المال وتكثيره ، وما ذلك إلا حجر على حريتنا الاقتصادية.
والخلاصة : أن ردهم على شعيب في الأمرين تضمن إمعانهم في التمسك بالتقليد ، وفي الطمع المادي الذي لا يبالي فيه صاحبه بالحلال والحرام.
ثم أكدوا سخريتهم وهزءهم بقولهم : (إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ) أي إنك لصاحب الحلم والأناة والعقل والتروي ، والرشد والاستقامة! وأرادوا وصفه بضد ذلك من الجهالة والطيش وسفاهة الرأي ، وغواية الفعل ، فعكسوا ليتهكموا به.
ثم حسم أطماع الكفر فقال : (يا قَوْمِ ، أَرَأَيْتُمْ ..) أي أخبروني يا قوم إن كنت على بصيرة من ربي فيما أدعو إليه ، ويقين تام وحجة واضحة فيما آمركم به