فلا يترك أحدا منكم ، وهو إما عذاب الاستئصال في الدنيا ، وإما عذاب الآخرة في جهنم.
ويا قوم وفّوا الكيل والوزن بالعدل ، آخذين ومعطين ، وهو أمر بالإيفاء بعد النهي عن البخس ، للتأكيد والتنبيه على أنه لا يكفي الامتناع عن تعمد التطفيف ، بل يلزمهم الإيفاء ولو بزيادة قليلة.
ثم نهاهم عن النقص في كل الأشياء ، فقال : (وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ) والبخس : النقص في كل الأشياء ، أي إياكم والظلم أو الجور في حقوق الناس. (وَلا تَعْثَوْا ..) العثو : الفساد التام ، أي لا تفسدوا شيئا من مصالح الدين والدنيا ، وقد كانوا يقطعون الطريق ، وأنتم تتعمدون الإفساد ، فقوله تعالى : (وَلا تَعْثَوْا) يشمل إنقاص الحقوق وغيره من أنواع الفساد الدنيوية والدينية ، وقوله بعدها (مُفْسِدِينَ) معناه : حالة كونكم قاصدين الإفساد ، فلا إثم في حال الخطأ أو إرادة الإصلاح.
(بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ ..) أي ما يبقى لكم من الربح الحلال بعد إيفاء المكيال والميزان خير لكم من الحرام ، وأكثر بركة وأرجى عاقبة مما تأخذونه بطريق الحرام ، بشرط أن تكونوا مؤمنين ؛ لأن جعل البقية خيرا لهم إنما هو متحقق في حال الإيمان ، وأما مع الكفر فلا خير لهم في شيء من الأعمال ، ثم إن الإيمان حافز باعث على الطاعة ، فإنهم إن كانوا مؤمنين مقرين بالثواب والعقاب ، عملوا على تحصيل ما يؤدي إلى الثواب والنجاة من العقاب ، وذلك خير من مسعاهم في أخذ الزائد القليل من الحرام في أثناء الكيل والوزن.
وما أنا عليكم برقيب على أعمالكم ، ولا مستطيع منعكم من القبائح ، وإنما أنا ناصح أمين ، فافعلوا الحلال والواجب بدافع من أنفسكم لله عزوجل ، ولا تفعلوه ليراكم الناس ، ما علي إلا البلاغ ، وعلى الله حساب الأقوال والأفعال.