٣ ـ اكتفى شعيب بمرة واحدة بالدعوة إلى توحيد الإله ، ولكنه كرر وأكد النهي عن بخس الحقوق بألوان مختلفة ، فأمر بالإيفاء (أي الإتمام) بعد أن نهى عن التطفيف تأكيدا ، ووصف الإيفاء بالقسط أي بالعدل والحق ، لكي يصل كل ذي حق إلى حقه ، وأراد ألا تنقصوا حجم المكيال عن المعهود ، وكذا الصّنجات ، ثم عمم بعد التخصيص عن بخس الناس أشياءهم ، أي لا تنقصوهم مما استحقوه شيئا ، ثم نهى عن الإفساد في مصالح الدنيا والآخرة : (وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ) أي أن الخيانة في المكيال والميزان مبالغة في الفساد في الأرض.
وذكر أن البخس بطر وترف وطمع ، فلم يكونوا بحاجة ، وإنما كانوا بخير : (إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ) أي سعة في الرزق والمعيشة ، وقال : (بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَكُمْ) أي ما يبقيه الله لكم بعد إيفاء الحقوق بالقسط أكثر بركة ، وأحمد عاقبة مما تبقونه أنتم لأنفسكم من فضل التطفيف بالتجبر والظلم. وشرط للاستقامة وجود الإيمان : (إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) شرط هذا ؛ لأنهم إنما يعرفون صحة كون بقية الله خيرا إن كانوا مؤمنين.
وجعل رقابة الله في السر والعلن على كل تاجر هي الأساس والباعث على الخشية والطاعة وأداء الحقوق : (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ) أي رقيب أرقبكم عند كيلكم ووزنكم ، فلا يمكنني شهود كل معاملة تصدر منكم حتى أؤاخذكم بإيفاء الحق.
٤ ـ كانت ردود القوم المحجوجين بالأدلة والبينات في غاية الجهالة والسفاهة ، فأعلنوا تمسكهم بالتقليد في عبادة الأوثان والأصنام ، وادعاء حريتهم التجارية التي لا تقوم على العدل والحق ، وسخروا من صلاته وعبادته التي كان يكثر منها ، ونالوا من صفاته ، فقالوا على سبيل الاستهزاء والسخرية : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ؟ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ!) أي أنت ذو سفاهة