(وَذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ) يشهده جميع الخلائق ، والمعنى الأدق : مشهود فيه أهل السموات والأرضين ، ولو جعل اليوم مشهودا في نفسه ، لبطل المقصود من تعظيم اليوم وتمييزه ، فإن سائر الأيام كذلك.
(وَما نُؤَخِّرُهُ) أي اليوم. (إِلَّا لِأَجَلٍ مَعْدُودٍ) أي لوقت معلوم عند الله ، فهو على حذف مضاف ، أي إلا لانتهاء مدة معدودة متناهية. (يَوْمَ يَأْتِ) ذلك اليوم والجزاء. (إِلَّا بِإِذْنِهِ) بإذن الله تعالى. (فَمِنْهُمْ) أي من الخلق أهل الموقف. (شَقِيٌ) وجبت له النار بمقتضى الوعيد ، فالشقي : من استحق النار لإساءته. (وَسَعِيدٌ) وجبت له الجنة ، بموجب الوعد ، والسعيد : من استحق الجنة لعمله مع فضل الله ورحمته (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا) في علم الله تعالى. (زَفِيرٌ) صوت شديد. (وَشَهِيقٌ) صوت ضعيف ، والمراد بهما الدلالة على شدة كربهم وغمهم. وأصل الزفير : إخراج النّفس ، الشهيق : إدخال النفس مع السرعة والجهد.
(خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) أي مدة دوامهما في الدنيا ، وليس المراد ارتباط دوامهم في النار بدوام السموات والأرض ، فإن النصوص دالة على تأبيد دوامهم ، وانقطاع دوامهما. والمقصود التعبير عن التأبيد بما كانت العرب يعبرون به على سبيل التمثيل. والمفهوم لا يقاوم المنطوق. (إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ) غير ما شاء الله من الزيادة على مدتها ، مما لا منتهى له ، والمعنى : خالدين فيها أبدا. أو أن هذا استثناء من الخلود في النار ؛ لأن بعضهم وهم فسّاق الموحدين يخرجون منها.
والخلاصة : إن خلود أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار ثابت بنصوص القرآن العديدة ، وأما الاستثناء بالمشيئة هنا ، فيراد به الدلالة على الثبوت والاستمرار ، وعبر بذلك لبيان أن هذه القضايا بمشيئة الله تعالى (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) أي من غير اعتراض أحد.
(عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) غير مقطوع ، وهو تصريح بأن الثواب لا ينقطع.
(فَلا تَكُ) يا محمد. (فِي مِرْيَةٍ) شك. (مِمَّا يَعْبُدُ هؤُلاءِ) من الأصنام ، إنا نعذبهم ، كما عذبنا من قبلهم ، وهذا تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم. (كَما يَعْبُدُ آباؤُهُمْ) أي كعبادتهم ، والاستثناء بقوله : (إِلَّا كَما يَعْبُدُ) معناه تعليل النهي عن المرية ، أي هم وآباؤهم سواء في الشرك. (نَصِيبَهُمْ) حظهم من العذاب. (غَيْرَ مَنْقُوصٍ) أي تاما.
المناسبة :
الآيات متصلة بما قبلها من أجل بيان العبرة من قصص الأمم الظالمة ، فبعد أن ذكر الله تعالى العبرة من إهلاك الأمم الظالمة في الدنيا ، ذكر هنا العبرة بجزاء الآخرة لكل من الأشقياء والسعداء ، وهي إقامة الدليل على صدق الأنبياء وصدق