قال ابن كثير : معنى الاستثناء هاهنا أن دوامهم فيما هم فيه من النعيم ليس أمرا واجبا بذاته ، بل هو موكول إلى مشيئة الله تعالى ، فله المنة عليهم دائما ، ولهذا يلهمون التسبيح والتحميد ، كما يلهمون النّفس (١).
فكل من جزائي أهل النار وأهل الجنة دائم بمشيئة الله تعالى ، فعذاب أهل النار في النار دائما مردود إلى مشيئته تعالى ، وأنه بعدله وحكمته موافق لأعمالهم ، وثواب أهل الجنة في الجنة بحسب مشيئته تعالى أيضا جزاء بما كانوا يعملون ، إلا أنه تعالى أورد فرقا في ختام آية كل من الفريقين ، فقال عقب بيان حال الأشقياء : (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) كما قال : (لا يُسْئَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْئَلُونَ) [الأنبياء ٢١ / ٢٣] وقال عقب بيان حال السعداء : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) لتطييب القلوب ، والإشارة إلى أن جزاء المؤمنين هبة منه تعالى وإحسان دائم ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أبي هريرة : «لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته».
وجاء في الصحيحين : «يؤتى بالموت في صورة كبش أملح ، فيذبح بين الجنة والنار ، ثم يقال : يا أهل الجنة ، خلود فلا موت ، ويا أهل النار ، خلود فلا موت» وفي الصحيح أيضا : «فيقال : يا أهل الجنة ، إن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدا ، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا ، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدا ، وإن لكم أن تنعموا ، فلا تيأسوا أبدا».
وبعد ذكر أحوال الأشقياء والسعداء ، أنذر الله تعالى أعداء النبي صلىاللهعليهوسلم بتعذيبهم كما عذب الأمم المهلكة المتقدمة ، فقال : (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ) أي إذا علمت يا محمد كل ما ذكر ، وعرفت سنة الله في عباده ، فلا تك في شك في عاقبة
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٢ / ٤٦٠