تعالى : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذّاريات ٥١ / ٥٦] لأن معنى هذا الأمر بالعبادة (١).
والإشارة في قوله تعالى : (لِذلِكَ) : إشارة إلى الاختلاف والرّحمة معا في رأي ابن عباس ، واختاره الطّبري ، وقال مجاهد وقتادة : (لِذلِكَ) : إشارة إلى الرّحمة التي تضمّنها قوله تعالى : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) والضّمير في (خَلَقَهُمْ) عائد على المرحومين.
(وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ..) أي سبق في قضاء الله وقدره لعلمه التّام وحكمته النّافذة أن ممن خلقه من يستحق الجنّة ، ومنهم من يستحق النّار ، وأنه لا بدّ أن يملأ جهنّم من هذين الثّقلين : الجنّ والإنس ، وهم الذين لا يهتدون بما أرسل الله به الرّسل من الآيات والأحكام. قال ابن عباس : خلقهم فريقين : فريقا يرحم فلا يختلف ، وفريقا لا يرحم فيختلف ، فذلك قوله تعالى : (فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ). وقوله تعالى : (مِنَ الْجِنَّةِ مَنْ) : لبيان الجنس ، أي من جنس الجنّة وجنس النّاس .. وقوله تعالى : (أَجْمَعِينَ) تأكيد.
وفي الصّحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «اختصمت الجنّة والنّار ، فقالت الجنّة : مالي لا يدخلني إلا ضعفاء النّاس وسقطهم (٢) ، وقالت النّار : أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين ، فقال الله عزوجل للجنّة : أنت رحمتي أرحم بك من أشاء ، وقال للنّار : أنت عذابي أنتقم بك ممن أشاء ، ولكلّ واحدة منكما ملؤها ، فأما الجنّة فلا يزال فيها فضل حتى ينشئ الله لها خلقا يسكن فضل الجنّة ، وأما النّار فلا تزال تقول : هل من مزيد ، حتى يضع لها ربّ العزّة قدمه ، فتقول : قط قط (٣) ، وعزّتك».
__________________
(١) البحر المحيط : ٥ / ٢٧٣
(٢) السّقط : رديء المتاع.
(٣) قط بمعنى حسب ، وهو الاكتفاء. والقطّ : الكتاب والصّكّ بالجائزة ، ومنه قوله تعالى : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا).