منهج واحد من إيمان أو كفر ، بخلقهم قابلين دينا واحدا ، لكنه تعالى لم يشأ ذلك ، مثل قوله تعالى : (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) [يونس ١٠ / ٩٩] وإنما شاء أن يكون لهم دور اختياري في الاتّجاه إلى الحقّ والإيمان ونبذ الضّلالة والشّرك ، وقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) استثناء منقطع ، أي لكن من رحم ربّك بالإيمان والهدى فإنه لم يختلف.
(وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ) أي في الأديان والاعتقادات والمذاهب والآراء ، وقيل : في الهدى ، أو في الرّزق يسخر بعضهم بعضا ، قال ابن كثير : والمشهور الصّحيح الأول.
(إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ) أي المرحومين من أتباع الرّسل الذين تمسّكوا بما أمروا به من الدّين ، الذي أخبرتهم به رسل الله إليهم ، ولم يزل ذلك دأبهم ، حتى جاء خاتم الرّسل ، ففاز من اتّبعه بسعادة الدّنيا والآخرة ، فهم الفرقة النّاجية.
(وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ) قال الزّمخشري ممثلا رأي المعتزلة : (لِذلِكَ) : إشارة إلى ما دلّ عليه الكلام الأول وتضمّنه ، يعني : ولذلك المذكور من التّمكين والاختيار الذي كان عنه الاختلاف ، خلقهم ، ليثيب مختار الحقّ بحسن اختياره ، ويعاقب مختار الباطل بسوء اختياره (١).
ويرى أهل السّنة كما ذكر أبو حيان : أنّ اللام ليست للتّعليل ، وإنما هي على التّحقيق لام الصّيرورة في ذلك المحذوف ، أي ليس الاختلاف والرّحمة علّة الخلق ، وإنما خلقهم ليصير أمرهم إلى الاختلاف. مثل قوله تعالى : (فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَناً) [القصص ٢٨ / ٨]. ولا يتعارض هذا مع قوله
__________________
(١) الكشّاف : ٢ / ١٢٠