وهناك بالحكيم ، والسبب أن سورة يوسف تعبر عن أحداث جسام مرّ بها نبي كريم صبور فناسبها الوصف بالبيان ، وأما سورة يونس فموضوعها إثبات أصول الدين من توحيد الله ، وإثبات الوحي والنبوة ، والبعث والجزاء ، وهذه يناسبها الوصف بالحكمة.
والمعنى : تلك الآيات التي أنزلت إليك في هذه السورة آيات السورة الظاهر أمرها في إعجاز العرب ، وهذا تفسير الزمخشري. وقال أبو حيان : والظاهر أن المراد بالكتاب : القرآن ، و (الْمُبِينِ) إما البيّن في نفسه ، الظاهر أمره في إعجاز العرب وتبكيتهم ، وأما المبين الحلال والحرام ، والحدود والأحكام ، وما يحتاج إليه من أمر الدين ، أو المبين الهدى والرشد والبركة.
وعلى أي حال ، فإن الكتاب اسم جنس يطلق على البعض وعلى الكل ، فسواء قلنا : إن المراد به هذه السورة ، أو كل القرآن ، فالمقصود إثبات صفة القرآن ، وصفاته لا تختلف بين السور جميعها ، فكلها واضحة جلية تفصح عن أشياء مبهمة ، وآياتها تبين وتفسر غوامض الأمور ، وتوضح أحكام الشريعة ، وترشد إلى ما هو خير في الدنيا والآخرة.
قال القرطبي وابن كثير : هذه آيات الكتاب وهو القرآن المبين ، أي الواضح الجلي الذي يفصح عن الأشياء المبهمة ويفسرها ويبينها ، يعني بالكتاب المبين : القرآن المبين ، أي المبين حلاله وحرامه ، وحدوده وأحكامه ، وهداه وبركته.
(إِنَّا أَنْزَلْناهُ ..) أي إنا أنزلنا هذا القرآن على النبي محمد العربي ، بلغة العرب أفصح اللغات وأبينها وأوسعها وأكثرها تأدية للمعاني التي تقوم بالنفوس ، لتتعلموا ما لم تكونوا تعلمون من قصص وأخبار ، وآداب وأخلاق ، وأحكام وتشريعات ، ومناهج حياة سليمة في السياسة والاجتماع والاقتصاد وشؤون الدولة ، ولتتدبروا ما فيها من معان وأهداف ،. تبني الفرد والجماعة على أقوم الأسس.