التفسير والبيان :
تالله ، لقد كان في قصة يوسف مع إخوته لأبيه عبرة ومواعظ للسائلين الذين سألوا عنهم ، دالة على قدرة الله تعالى وحكمته في كل شيء لكل سائل عن أحداث القصة ، ودالة على صدق الرسول يوسف وغيره ، وعلى ما أظهر الله في قصة يوسف من عواقب البغي عليه ، وصدق رؤياه ، وصحة تأويله ، وضبط نفسه وقهرها ، حتى قام بحق الأمانة (١). فذلك خبر عجيب يستحق أن يخبر عنه.
إنه لعبرة حين قالوا : والله ليوسف وأخوه بنيامين شقيقه أحب إلى أبينا منا ، فهو يفضلهما علينا في الحب ، وهما صغيران ، ونحن جماعة عشرة رجال. حلفوا فيما يظنون ، و (أَحَبُ) أفعل تفضيل أي أكثر حبا منا. والعصبة : ما بين الواحد إلى العشرة.
إن أبانا لفي خطأ واضح مجاف الصواب في ذلك ، بإيثار يوسف وأخيه علينا بالمحبة ، وتركه العدل والمساواة في المحبة ، فكيف يفضّل صغيرين ضعيفين لا كفاية فيهما ولا منفعة ، على رجال أشداء ، نقوم بكل ما يحتاج إليه من منافع معاشية ودفاعية ، وكيف يحب الاثنين أكثر من الجماعة؟!
وهذا في الحقيقة خطأ منهم لا من أبيهم ؛ لأن يوسف وأخاه صغيران يتيمان ماتت أمهما ، ولأنه كان يرى في يوسف إرهاصات النبوة والعقل والحكمة ، وتأكد توقعه بما فهم من رؤياه.
ومع ذلك يطلب الاحتياط في معاملة الأولاد والتسوية بينهم في المحبة والمعاملة ولو في القبلة ، وتجنب ما يثير التحاسد والتباغض بينهم ، كما أوصى النبي
__________________
(١) البحر المحيط : ٥ / ٢٨٢