فامتنع منها ، وأنها تبعته وجذبته حتى قدت قميصه ، ولم تترك حيلة إلا لجأت إليها لمواقعتها.
(وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ أَهْلِها ..) وللعلماء قولان في هذا الشاهد ، هل هو صغير أو كبير؟ وهل هو إنسان أو القميص؟ ، فصار في تعيين هذا الشاهد ثلاثة أقوال :
الأول ـ أنه كان ابن عم لها كبير ، وكان رجلا حكيما عاقلا حصيف الرأي ، فقال : إن كان (١) شق القميص من قدامه فأنت صادقة والرجل كاذب ، وإن كان من خلفه فالرجل صادق وأنت كاذبة ، فلما نظروا إلى القميص ، ورأوا الشق من خلفه ، قال ابن عمها : (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ ..) أي من عملكن ، ثم قال ليوسف : أعرض عن هذا واكتمه ، وقال لها : استغفري لذنبك. وهذا قول طائفة كبيرة من المفسرين.
والثاني ـ وهو قول ابن عباس وجماعة : أن ذلك الشاهد كان صبيا أنطقه الله تعالى في المهد. روى ابن جرير حديثا مرفوعا عن ابن عباس عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «تكلم أربعة وهم صغار : ابن ماشطة بنت فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وعيسى بن مريم».
والثالث ـ أن ذلك الشاهد هو القميص. قال الرازي : وهذا في غاية الضعف ؛ لأن القميص لا يوصف بهذا ، ولا ينسب إلى الأهل.
ولما تحقق زوجها صدق يوسف وكذبها فيما قذفته ورمته به وظهر للقوم براءة يوسف عن هذا المنكر ، قال العزيز أو الشاهد : (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَ) إن هذا
__________________
(١) إن كان قميصه : كان في موضع جزم بالشرط ، وفيه إشكال نحوي ؛ لأن حروف الشرط ترد الماضي إلى المستقبل ، وليس هذا في كان ، فقال المبرد : هذا لقوة كان ، وأنه يعبر بها عن جميع الأفعال. وقال الزجاج : المعنى : إن يكن ، أي إن يعلم ، والعلم لم يقع.