فعندئذ استعاذ يوسف عليهالسلام من شرهن وكيدهن. والكيد : الاحتيال والاجتهاد ، وقال : (رَبِّ السِّجْنُ ...) أي يا رب ، أنت ملاذي وملجئي ، إن السجن الذي توعدت به أحب إلي مما يدعونني إليه هؤلاء النسوة من الفاحشة وارتكاب المعصية.
وكنى عن امرأة العزيز في قوله (كَيْدَهُنَ) بخطاب الجمع ، إما لتعظيم شأنها في الخطاب ، وإما ليعدل عن التصريح إلى التعريض. والأولى حمل اللفظ على العموم ، أي كيد النساء ، وليس كيد امرأة العزيز فقط.
وقد أسند الدعوة إلى النساء جميعا ؛ لأنهن زيّن له مطاوعتها ونصحنه بالاستجابة لرغبتها ، وقلن له : إياك وإلقاء نفسك في السجن والصغار.
وهو في دعائه هذا آثر المشقة على اللذة ؛ لأن العذاب المكروه وهو السجن مع البراءة أهون من الذم في الدنيا والعقاب في الآخرة ، فإن البريء المسجون يشعر بسعادة عظيمة وهي المدح في الدنيا والثواب الدائم في الآخرة ، وقد اختار أهون الشرين وأخف الضررين : السجن والزنى ، ففي السجن راحة بال وهدوء نفس وخروج عن بيئة الفساد ، وتخلص من التحكم في أمره.
ثم أكد دعاءه مبينا عجزه وضعفه ، ومفوضا أمره لمن له القدرة والقوة ، فقال : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ ..) أي وإن لم تبعد عني أثر كيدهن ، أمل إلى موافقتهن على أهوائهن ، وأكن من الجاهلين السفهاء الذين تستهويهم الشهوات ، والذين لا يعملون بما يعلمون ؛ لأن الحكيم لا يفعل القبيح ، ولأن من لا ينتفع بعلمه فهو ومن لا يعلم سواء.
أي إن وكلتني إلى نفسي ، فليس لي منها قدرة ، وإنما أعتصم وألجأ إلى حولك وقوتك ، فأنت المستعان وعليك التكلان ، فلا تكلني إلى نفسي. وهذا