التفسير والبيان :
لما أرادوا حبس يوسف حبسوه ، وحبسوا معه غلامين من عبيد الملك ، أحدهما : ساقيه ، والآخر : خبازه ؛ لأنه رفع إليه أنهما تمالا على سمه في طعامه وشرابه ، وليس ذلك مصادفة ، ولكن تقدير العزيز العليم ، وكان يوسف مشهورا في السجن بصدق الحديث وتعبير الرؤيا.
فرأيا رؤيا ، فقال الساقي : إني رأيت في المنام أني أعصر عنبا يصير بعدئذ خمرا ، وقال الخباز : إني رأيت أني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه ، فقالا ليوسف : أخبرنا بتأويل وتفسير ما رأينا ، فهل سيحدث حقا أو هو مجرد أضغاث أحلام؟ (إِنَّا نَراكَ ..) إنا نعلم أنك من الذين يحسنون تأويل الرؤيا ، أي من المحسنين في علم التعبير ؛ لأنه متى عبّر لم يخطئ ، كما قال : (وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ) أو من المحسنين الذين يريدون الخير والإحسان للناس.
فانتهز يوسف هذه الفرصة ، وهي ثقة هذين الرجلين به وبعلمه وإخلاصه ، فاندفع يدعوهما ومن معهما في السجن إلى توحيد الله الخالص ، وترك الأوثان ، فكان دخوله السجن لحكمة.
ومهد لدعوته بما يدل على المعجزة على صدقه ، فقال لهما : لا يأتيكما طعام في يومكما إلا أخبرتكما به قبل وصوله إليكما.
وهذا من تعليم الله إياي بوحي منه وإلهام ، لا بكهانة ولا عرافة ونحوهما من علوم البشر. وهذا يدل على أن يوسف أوحي إليه ، وهو في السجن ليدعو الضعفاء والفقراء والمظلومين والمذنبين ، فهم أقرب إلى التصديق بدعوته من غيرهم.
وسبب الوحي أني اجتنبت ملة الكافرين بالله واليوم الآخر وهم الكنعانيون وغيرهم من أهالي فلسطين ، والمصريين الذين كانوا يعبدون آلهة متعددة كالشمس