ثم ذكر الله شبه الكافرين والمؤمنين وضرب مثلا لكليهما فقال : (مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ) أي مثل الفريقين المذكورين اللذين وصفا سابقا وهم الكفار بالشقاء ، والمؤمنين بالسعادة ، كمثل الأعمى والأصم ، والسميع والبصير ؛ الكافر مثل الأعمى ، لتعاميه عن وجه الحق في الدنيا والآخرة ، وعدم اهتدائه إلى الخير وعدم معرفته إياه ، ومثل الأصم ؛ لعدم سماعه الحجج ، فلا يسمع ما ينتفع به ؛ والمؤمن مثل متفتح السمع والبصر ، لاستفادته بما يسمع من القرآن ، ويرى في الأكوان. والسمع والبصر وسيلتا العلم والهدى ، وطريقا تكوين العقل.
لا يستوي هذا وذاك صفة وحالا ومالا ، أفلا تذكرون أي تعتبرون ، فتفرقون بين هؤلاء وهؤلاء ، وكيف لا تميزون بين هذه الصفات المتباينة؟! كما قال تعالى : (لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ ، أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) [الحشر ٥٩ / ٢٠] وقال سبحانه : (وَما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ ، وَلَا الظُّلُماتُ وَلَا النُّورُ ، وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ ، وَما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَلَا الْأَمْواتُ ، إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ ، وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) [فاطر ٣٥ / ١٩ ـ ٢٢] واستعمال : (أَفَلا تَذَكَّرُونَ) تنبيه على أنه يمكن علاج هذا العمى وهذا الصمم.
فقه الحياة أو الأحكام :
تضمنت الآيات ما يأتي :
١ ـ لا أحد أظلم لأنفسهم من الذين افتروا على الله كذبا ، فنسبوا كلامه إلى غيره ، وزعموا أن له شريكا وولدا ، وقالوا للأصنام : هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
٢ ـ ينادى بالكفار والمنافقين على رؤوس الخلائق : هؤلاء الذين كذبوا على الله ، ألا لعنة الله على الظالمين ، أي بعده وسخطه وإبعاده من رحمته على الذين وضعوا العبادة في غير موضعها.