الثانية ـ (وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ ..) أي ولم يتبعك إلا أراذل القوم الأخساء أصحاب الحرف الخسيسة كالزرّاع والصناع ، وهم الفقراء والضعفاء ، في بادئ الأمر وظاهره دون تأمل ولا تفكر ولا تدبر في عواقب الأمور. ولو كنت صادقا لاتبعك الأشراف والأكياس من الناس ، كقوله تعالى : (أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ) [الشعراء ٢٦ / ١١١].
الثالثة ـ (وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ) أي ما رأينا لكم علينا امتيازا ظاهرا في فضيلة أو قوة أو ثروة أو علم أو عقل أو جاه أو رأي ، يحملنا على اتباعكم : (لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ) [الأحقاف ٤٦ / ١١].
الرابعة ـ (بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ) أي بل يترجح لدينا كذبكم في ادعائكم الصلاح والسعادة في الدار الآخرة. ويلاحظ أنهم أشركوا معه أتباعه في هذه الإجابة ، وكان الخطاب لنوح ومن آمن معه.
ثم أخبر الله تعالى عن ردود نوح عليهالسلام على قومه الذين أثاروا تلك الشبهات ، وغيرها مما لم يحكها القرآن وطواها ، أو لم يقولوها ولكن كلامهم يستلزمها.
(قالَ : يا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ ..) قال نوح : يا قومي ، أخبروني ماذا أفعل وما ترون؟ إن كنت على يقين وحجة ظاهرة فيما جئتكم به من ربي ، يتبين لي بها أني على حق من عنده ، وآتاني رحمة من عنده وهي النبوة والوحي ، فعمّيت عليكم أي خفيت عليكم ، فلم تهتدوا إليها ، ولا عرفتم قدرها ، بل بادرتم إلى تكذيبها وردها ، أنكرهكم على قبولها ونغصبكم عليها ، وأنتم لها كارهون ، معرضون عنها ، فلا يعقل الإكراه في الدين.
وهذا دليل النبوة والترفع عن آراء الجهال والسذّج.
(وَيا قَوْمِ ، لا أَسْئَلُكُمْ ..) أي لا أطلب منكم على نصحي لكم مالا أي أجرا