على الإيمان من سعادة الدنيا والآخرة ، الله أعلم بما في صدورهم ، فإن كان باطنهم كظاهر هم في الإيمان ، فلهم الحسنى ، وإن حكم إنسان على سرائرهم ، كان ظالما قائلا ما لا علم له به.
والمقصود بالآية أن نوحا عليهالسلام أخبرهم بتذلله وتواضعه لله عزوجل.
وفي هذا دلالة على الخط الفاصل بين الأنبياء وبين الزعماء ، الأولون يهتمون بإرشاد الناس إلى ما فيه سعادتهم الدنيوية والأخروية دون إغراء بمال أو عطاء نفعي ، والآخرون يعتمدون في كسب الأتباع على الوعود بالمنافع المادية وبذل الأموال رخيصة من أجل كسب تأييدهم.
وفيه دلالة على أن النبي بشر لا ملك ، وأنه لا يعلم الغيب وإنما علمه عند الله ، كقوله تعالى : (قُلْ : لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا ، إِلَّا ما شاءَ اللهُ ، وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ ، وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) [الأعراف ٧ / ١٨٨].
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآيات على ما يأتي :
١ ـ دعوة نوح قومه كدعوة سائر الأنبياء إلى عبادة الله وإطاعته وحده لا شريك له ، وترك عبادة الأصنام.
٢ ـ الاستمرار على الكفر أو عبادة الأصنام يوجب العذاب الأليم الموجع الشاق في الدار الآخرة.
٣ ـ إن الغالب في إعراض قوم نوح من الأشراف والسادة والكبراء كإعراض كل المكذبين الجاحدين مبني على أعذار واهية ، رأسها الاستكبار والاستعلاء على بقية الناس من الفقراء والضعفاء الذين يتبعون الحق غالبا ، كما قال تعالى : (وَكَذلِكَ ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها : إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ ، وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [الزخرف ٤٣ / ٢٣].