وهكذا يكون الغالب على ضعفاء الناس اتباع الحق ، والغالب على الأشراف والكبراء مخالفته ، كما ذكرت الآية : (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها ..) ولما سأل هرقل ملك الروم أبا سفيان صخر بن حرب عن صفات النبي صلىاللهعليهوسلم قال له فيما قال : أشراف الناس اتبعوه أو ضعفاؤهم؟ قال : بل ضعفاؤهم. فقال هرقل : هم أتباع الرسل.
٤ ـ قولهم : (بادِيَ الرَّأْيِ) ليس بمذمة ولا عيب في الواقع ؛ لأن الحق إذا وضح ، لا يبقى للرأي ولا للفكر مجال ، بل لا بد من اتباع الحق حينئذ لكل ذي عقل وذكاء ، ولا يفكر عندئذ بالبعد عنه إلا غبي أو عيي ، والرسل عليهمالسلام إنما جاؤوا بأمر جلي واضح. جاء في الحديث أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت له كبوة غير أبي بكر ، فإنه لم يتلعثم» أي ما تردد ولا تروى ؛ لرؤيته أمرا عظيما واضحا ، فبادر إليه وسارع.
٥ ـ الأنبياء يتمسكون عادة بما ثبت لديهم يقينا من وحي الله تعالى ، والنبوة والرسالة ، ولو عارضهم أكثر الناس.
٦ ـ لا يلجأ الأنبياء عادة إلى إكراه أحد من الناس على قبول دعوتهم : (أَنُلْزِمُكُمُوها وَأَنْتُمْ لَها كارِهُونَ) وهو استفهام بمعنى الإنكار ، أي لا يمكنني أن أضطركم إلى الإيمان والمعرفة بها ، وهي شهادة أن لا إله إلا الله ، أو النبوة والرحمة الإلهية أو البينة. وهذا أول نص يمنع الإكراه على الدين.
٧ ـ لا يصح عقلا وذوقا وأدبا طرد الأنبياء من يؤمنون بهم ، لا لشيء إلا لأنهم فقراء ضعفاء ، فلو فعل ذلك أحدهم فرضا لخاصموه عند الله ، وجازاهم على إيمانهم ، وجازى من طردهم ، ولا يجد من ينصره ويمنعه من عذاب الله إن طردهم لأجل إيمانهم ، ويكون طرد المؤمنين بصفة دائمة لطلب مرضاة الكفار من أصول المعاصي ، ولا يقدم عليه نبي. والمقصود هو الطرد المطلق على سبيل التأبيد.