يعذبنا على عصيانه في الدنيا قبل الآخرة ، وهذا كقوله تعالى : (قالَ : رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً ، فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعائِي إِلَّا فِراراً) [نوح ٧١ / ٥ ـ ٦].
قال لهم نوح : إنما الذي يعاقبكم ويعجل تعذيبكم الله الذي لا يعجزه شيء ، إن شاء عقابكم عاجلا أو آجلا ، فما أنتم بمعجزين أي بفائتي الله ولا بمستطيعي الهرب من عذابه ؛ لأنكم في قبضته وملكه وسلطانه.
ولا يفيدكم نصحي واجتهادي في إيمانكم ، إن أراد الله إغواءكم أي إيقاعكم في الغي والضلال والفساد ، ودماركم وهلاككم ، هو ربكم أي خالقكم والمتصرف في أموركم ، والحاكم العادل الذي لا يجور ، وإليه ترجعون في الآخرة ، فيجازيكم بما كنتم تعملون من خير أو شر.
ومعنى إرادة الله إغواءهم وإضلالهم : ربط الأسباب بالمسببات ، لا خلقه للغواية والشقاوة فيهم ، فإن ذلك منوط بالعمل والكسب ، والنتائج متوقفة على المقدمات.
(أَمْ يَقُولُونَ : افْتَراهُ ..)
هذا كلام معترض في وسط قصة نوح ، مؤكد لها ، مقرر لها ، وهي حكاية لقوله مشركي مكة في تكذيب هذه القصص : (أَمْ يَقُولُونَ : افْتَراهُ) بل يقول هؤلاء الكافرون الجاحدون في مكة : إن محمدا افترى القرآن ، أي اختلقه من قبل نفسه ، ومنه ما أخبر به عن نوح وقومه ، فرد الله معلما نبيه أن يقول لهم : إن افتريته فعلي عقوبة إثمي ، وعذاب ذنبي ، والاجرام : اقتراف المحظورات واكتسابها ، وأنا بريء من آثامكم وذنوبكم ، وسيجزيكم الله على أعمالكم ، فجرمكم ليس مفتعلا ولا مفترى ؛ لأني اعلم ما عند الله من العقوبة لمن كذب عليه ، فكل إنسان مسئول عن ذنبه ، كما قال تعالى : (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى ، وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى ، أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى ، وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا