السلام بقوله : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً) [نوح ٧١ / ٢٦].
واصنع الفلك أي السفينة أداة النجاة بأعيننا أي بمرأى منا وبرعايتنا وحفظنا وحراستنا ، وبتعليمك بوحينا كيفية الصنع ، حتى لا تخطئ ، فقوله (وَوَحْيِنا) يعني تعليمنا لك ما تصنعه ، ويكون جمع الأعين للعظمة لا للتكثير.
واستعمل القرآن تعبير الأعين لكمال العناية وتمام الرعاية في قوله تعالى لموسى : (وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي) [طه ٢٠ / ٣٩] وقوله للنبي محمد صلىاللهعليهوسلم : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) [الطور ٥٢ / ٤٨].
(وَلا تُخاطِبْنِي ...) أي ولا تراجعني يا نوح ولا تدعني في شأن قومك ودفع العذاب عنهم بشفاعتك ، فقد وجب عليهم العذاب ، وتم الحكم عليهم بالإغراق. والمقصود ألا تأخذك بهم رأفة ولا شفقة.
وبدأ يصنع السفينة ، وكلما مر عليه جماعة من أشراف قومه ، استهزءوا منه ومن عمله السفينة ، وكذبوا بما توعدهم به من الغرق. قال نوح متوعدا بوعيد شديد وتهديد أكيد : إن تسخروا منا لصنع ما نصنع مما لا يفيد شيئا في ظنكم ، فإنا نسخر منكم في المستقبل حين الغرق ، كما تسخرون منا الآن ، أي نسخر منكم سخرية مثل سخريتكم إذا وقع عليكم الغرق في الدنيا ، والحرق في الآخرة.
فسوف تعلمون قريبا بعد تمام عملنا من يأتيه عذاب يهينه في الدنيا ، وهو عذاب الغرق ، ويحل عليه عذاب مقيم ، أي دائم مستمر أبدا في الآخرة.
(حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا ..) أي حتى إذا حان وقت أمرنا بالهلاك من الأمطار المتتابعة ، وفار التنور أي نبع الماء من التنور ، موقد الخبز ، وارتفع كما تفور القدر بغليانها ، والفوران : الغليان ، وكان ذلك علامة لنوح عليهالسلام ،