وعن ابن عباس : التنور وجه الأرض ، أي صارت الأرض عيونا تفور ، حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار ، صارت تفور ماء. وهذا هو المعنى الأول ؛ لأن العرب تسمي وجه الأرض تنورا ، قال تعالى : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ ، وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً ، فَالْتَقَى الْماءُ عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ، وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) [القمر ٥٤ / ١١ ـ ١٣].
وقلنا لنوح حينئذ : احمل في السفينة من كل نوع من أنواع الحيوان زوجين اثنين : ذكرا وأنثى ، للحفاظ على أصل النوع الحيواني. واحمل فيها أهلك أي أهل بيتك من الذكور والإناث إلا أمرأتك وابنك : يام أو كنعان ، وهما من سبق عليه القول أنه من أهل النار ، للعلم بأنه يختار الكفر ، لا لتقديره عليه ، تعالى الله عن ذلك.
وخذ معك من آمن من قومك ، وإن لم يؤمن إلا عدد قليل ، أو نزر يسير ، مع طول المدة ودعوتهم إلى الإيمان ألف سنة إلا خمسين عاما. قيل : كانوا ستة أو ثمانية رجال ، ونساءهم : نوحا عليهالسلام وأهله وأبناءه الثلاثة وأزواجهم ، وقال ابن عباس : كانوا ثمانين نفسا ، منهم نساؤهم.
ولم ير الحق سبحانه وتعالى حاجة لبيان العدد لقلتهم التي لا تستحق الذكر ، ولم يبين أنواع الحيوان المحمولة ولا كيفية حملها ، فذلك متروك للبشر.
(وَقالَ : ارْكَبُوا فِيها) أخبر تعالى عن نوح عليهالسلام أنه قال لمن حملهم معه في السفينة : بسم الله يكون جريها على سطح الماء ، وبسم الله يكون منتهى سيرها وهو رسوها ، أي بتسخيره تعالى وقدرته يكون مجراها ومرساها ، لا بقوتنا.
إن ربي غفور لذنوب عباده رحيم بهم ، فلو لا مغفرته لذنوبكم ورحمته بكم لما نجاكم فقوله : (إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) أي لأهل السفينة. أخرج الطبراني عن