فأعرضوا عن قوله :
(فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى) أي لما سمع السحرة كلام موسى تناظروا وتشاوروا وتفاوضوا فيما بينهم في ذلك ، وتناجوا فيما بينهم سرا عن موسى وأخيه ، وقرروا ما يأتي:
(قالُوا : إِنْ هذانِ لَساحِرانِ يُرِيدانِ أَنْ يُخْرِجاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِما ، وَيَذْهَبا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلى) أي قالت السحرة : إن موسى وهرون لساحران يريدان إخراجكم أيها المصريون من أرضكم مصر بصناعة السحر ، كما يريدان التغلب للاستيلاء على جميع المناصب ، ولتكون لهما الرياسة في كل شيء ، ومآل ذلك أن تنقضي سنتكم في الحياة ، ويعصف بمنهجكم في العيش الحر العزيز الكريم ، وتسلب خيراتكم ، ويزول مذهبكم الأمثل الحسن.
قالوا ذلك متأثرين بما قاله فرعون ، ومرددين ما يشيعه ، مستخدمين أساليب ثلاثة للتنفير منهما ، وهي تكذيب نبوتهما ووصفهما بالسحرة ، والكشف عن نواياهما البعيدة بطرد السكان الأصليين من أرضهم مصر ، والاستيلاء على جميع المناصب والرياسات.
فيجب علينا الوقوف صفا واحدا أمام هذا الخطر ، فقالوا :
(فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ، ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا ، وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى) أي فاعزموا على تقديم جميع خبراتكم ومهاراتكم ، ولا تتركوا أقصى ما تستطيعون عليه من الكيد والحيلة ، وقفوا صفا واحدا ، وألقوا ما لديكم دفعة واحدة ، لتبهروا الأبصار ، وتعظم هيبتكم ، وتغلبوا هذين الرجلين ، فإنه قد فاز اليوم بالمطلوب من غلب منا ومنهما.
وهذا كله من قول السحرة بعضهم لبعض ، بقصد التحريض وشد العزائم ، لبذل أقصى الجهود للفوز بالمطلوب.