كلام موسى فيه. وكادوا أن يقتلوا هارون عليهالسلام. وما قصدهم إلا التسويف.
(قالَ : يا هارُونُ ، ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا أَلَّا تَتَّبِعَنِ ، أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي) أي قال موسى لهارون حين رجع إلى قومه بعد تكليم ربه في الميقات : ما الذي منعك من اتباعي إلى جبل الطور ، واللحوق بي مع من بقي مؤمنا ، فتخبرني بهذا الأمر أول ما وقع ، حين وقعوا في هذه الضلالة ودخلوا في الفتنة؟ ففي مفارقتهم زجر لهم ، ودليل على الغضب والإنكار عليهم. و (أَلَّا) في قوله (أَلَّا تَتَّبِعَنِ) زائدة ، أي أن تتبع أمري ووصيتي.
أفعصيت أمري؟ أي كيف خالفت أمري لك بالقيام لله ، ومنابذة من خالف دينه ، وأقمت بين هؤلاء الذين اتخذوا العجل إلها؟ ألم أقل لك : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي ، وَأَصْلِحْ ، وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ) [الأعراف ٧ / ١٤٢].
فقال هارون معتذرا عن تأخره عنه وإخباره بما حدث ، مستعطفا إياه :
(قالَ : يَا بْنَ أُمَّ ، لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) أي قال هارون لموسى : يا ابن أم ، مترققا له بذكر الأم التي هي عنوان الحنو والعطف ، مع أنه شقيفه لأبويه ، لا تفعل هذا عقوبة منك لي ، وكان موسى قد أخذ برأس أخيه يجره إليه ، فإن لي عذرا هو :
(إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ : فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرائِيلَ ، وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي) أي إني خشيت إن خرجت عنهم وتركتهم أن يقتتلوا ويتفرقوا ، فتقول : إني فرقت جماعتهم ؛ لأنه لو خرج لتبعه جماعة منهم ، وتخلف مع السامري عند العجل آخرون ، وربما أفضى ذلك إلى القتال بينهم ، وحينئذ تقول : لم تعمل بوصيتي لك فيهم وتحفظها ، وهي قوله المتقدم : (اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ) ولم تراع ما أمرتك به حيث استخلفتك فيهم ، واعتذر إليه أيضا بقوله في آية أخرى :