(إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي) [الأعراف ٧ / ١٥٠].
ثم كلم موسى كبير الفتنة وهو السامري قائلا :
(قالَ : فَما خَطْبُكَ يا سامِرِيُ)؟ أي قال موسى للسامري : ما شأنك ، وما الذي حملك على ما صنعت؟ سأله ليتخذ من جوابه وإقراره حجة للناس ببطلان فعله وقوله.
(قالَ : بَصُرْتُ بِما لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ ، فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ ، فَنَبَذْتُها) أي قال السامري : رأيت جبريل حين جاء لهلاك فرعون على فرس ، فأخذت قبضة من أثر فرسه ـ والقبضة : ملء الكف ، والقبضة بأطراف الأصابع ، وذلك الأثر لا يقع على جماد إلا صار حيا ـ فطرحتها في الحلي المذابة المسبوكة على صورة العجل ، فصنعت لهم تمثال إله ، حينما رأيتهم يطلبون منك أن تجعل لهم إلها كآلهة المصريين عبدة الأصنام.
قال مجاهد : نبذ السامري ، أي ألقى ما كان في يده على حلية بني إسرائيل ، فانسبك عجلا جسدا له خوار : وهو حفيف الريح فيه.
(وَكَذلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي) أي كما زينت لي نفسي السوء ، زينت لي أيضا وحسنت هذا الفعل بمحض الهوى ، أو حدثتني نفسي ، لا بإلهام إلهي أو ببرهان نقلي أو عقلي.
فأخبره موسى بجزائه في الدنيا والآخرة ، فقال : (قالَ : فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ : لا مِساسَ ، وَإِنَّ لَكَ مَوْعِداً لَنْ تُخْلَفَهُ) أي قال موسى للسامري : فعقوبتك في الدنيا أن تذهب من بيننا وتخرج عنا ، وأن تقول ما دمت حيا : لا يمسك أحد ، ولا تمس أحدا ، وأمر موسى بني إسرائيل ألا يخالطوه ولا يقربوه ولا يكلموه عقوبة له ، وهذه هي عقوبة النبذ من المجتمع أو العزل المدني.