(فَتَشْقى) تتعب بمتاعب الدنيا الكثيرة. واقتصر على نسبة الشقاء لآدم ؛ لأن الرجل هو المسؤول عن كفاية زوجته ، وهو الذي يسعى. (تَظْمَؤُا) تعطش. (تَضْحى) تصيبك الشمس ، يقال : ضحا وضحي : إذا أصابته الشمس بحرها ، والمراد : لا يحصل لك شمس الضحى لانتفاء الشمس في الجنة. والمقصود من الآية : (أَلَّا تَجُوعَ ..) بيان وتذكير لما في الجنة من أسباب الكفاية ، وأساسيات الكفاية هي الشبع والري والكسوة والسكنى.
(شَجَرَةِ الْخُلْدِ) أي التي يخلد من يأكل منها ، فلا يموت أصلا. (لا يَبْلى) لا يفنى ولا يضعف ، وهو لازم الخلد. (فَأَكَلا مِنْها) أي آدم وحواء. (فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما) ظهرت لهما عوراتهما من القبل والدبر ، وسمي كل منهما سوأة لأن انكشافه يسوء صاحبه. (وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ) أي شرعا وأخذا يلزقان ورق التين على سوآتهما ليستترا به. (وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ) بالأكل من الشجرة. (فَغَوى) فضل عن الرشد حيث اغتر بقول عدوه. (ثُمَّ اجْتَباهُ) اصطفاه وقربه إليه بالتوفيق للتوبة. (فَتابَ عَلَيْهِ) فقبل توبته لما تاب. (وَهَدى) إلى الثبات على التوبة والأخذ بأسباب العصمة.
(اهْبِطا مِنْها) أي آدم وحواء من الجنة. (بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ) أي بعض الذرية عدو للبعض الآخر بالظلم والتحارب والتنافس الشديد على أمر المعاش. (فَإِمَّا) فيه إدغام نون (إن) الشرطية في (ما) المزيدة. (هَدى) كتاب ورسول. (هُدايَ) هدى الوحي الإلهي. (فَلا يَضِلُ) في الدنيا. (وَلا يَشْقى) في الآخرة.
(وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي) الهداية بكتبي السماوية المذكرة بي والداعية إلى عبادتي. وأعرض : أي امتنع فلم يؤمن بالذكر. (ضَنْكاً) مصدر وهو الضيق الشديد ، والمعنى هنا : ضيقة. (وَنَحْشُرُهُ) أي المعرض عن الذكر الإلهي ومنه القرآن. (أَعْمى) أي أعمى البصر أو القلب فلم ينظر في البراهين الإلهية ، ويؤيد الأول : (قالَ : رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً) أي في الدنيا وعند البعث. (قالَ) أي الأمر (كَذلِكَ) مثل ذلك فعلت ، ثم فسره بقوله : (أَتَتْكَ آياتُنا فَنَسِيتَها) تركتها ولم تؤمن بها. (وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى) أي ومثل تركك إياها ـ أي الآيات ـ تترك اليوم في العمى والعذاب. والآيات : الأدلة والبراهين الإلهية.
(وَكَذلِكَ) أي ومثل جزائنا من أعرض عن الذكر. (نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ) نعاقب من أشرك وأسرف في الانهماك في الشهوات ، والإعراض عن الآيات. (وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ) بل كذبها وخالفها. (أَشَدُّ) من عذاب الدنيا وعذاب القبر وضنك العيش والعمى. (وَأَبْقى) أدوم. وذلك كقوله تعالى : (لَهُمْ عَذابٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا ، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَقُّ ، وَما لَهُمْ مِنَ اللهِ مِنْ واقٍ) [الرعد ١٣ / ٣٤].