ورد شهادة القاذف عام يشمل ما إذا كانت الشهادة واقعة منه قبل القذف أم بعد القذف ، ويشمل شهادة من قذف وهو كافر ثم أسلم ، إلا أن الحنفية استثنوا الكافر إذا حد في القذف ثم أسلم ، فإن شهادته بعد إسلامه تكون مقبولة ، لاستفادته بالإسلام عدالة جديدة.
ورد شهادة القاذف هي من تمام الحد في رأي الحنفية ، عملا بظاهر الآية التي رتب الله فيها على القذف عقوبتين ، فكان الظاهر أن مجموعهما حد القذف. وقال مالك والشافعي : الحد هو جلد ثمانين فقط ، وأما رد الشهادة فهو عقوبة زائدة على الحد ؛ لأن الحد عقوبة بدنية ، ورد الشهادة عقوبة معنوية ، ولأن قول النبي صلىاللهعليهوسلم لهلال بن أمية فيما أخرجه البخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عباس : «البينة أو حد في ظهرك» يدل على أن الجلد هو تمام الحد.
ويلزم على قول الحنفية أن الحاكم لا يرد شهادة القاذف إلا بطلب المقذوف ، أما الآخرون فلا يرون توقف رد الشهادة على طلب المقذوف.
ثم استثنى الله تعالى حال التوبة فقال :
(إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي إلا الذين رجعوا عن قولهم وندموا على فعلهم ، وأصلحوا حالهم وأعمالهم ، فلم يعودوا إلى قذف المحصنات ، قال ابن عباس : أي أظهروا التوبة ، فإن الله غفور ستار لذنوبهم ، رحيم بهم ، فيقبل توبتهم ، ويرفع عنهم صفة الفسق التي وسموا بها.
قال الشافعي : توبة القاذف : إكذابه نفسه ، والمعنى كما فسره الاصطخري من أصحاب الشافعي : أن يقول : كذبت فيما قلت ، فلا أعود لمثله ، وفسره أبو إسحاق المروزي من أصحاب الشافعي : لا يقول : كذبت ؛ لأنه ربما يكون صادقا ، فيكون قوله : (كذبت) كذبا ، والكذب معصية ، والإتيان بالمعصية لا يكون توبة عن معصية أخرى ، بل يقول : القذف باطل ، وندمت على