ما قلت ، ورجعت عنه ، ولا أعود إليه. ورجح أبو الحسن اللخمي أن التوبة إنما تكون بالتكذيب في القذف.
وقال بعض العلماء : توبة القاذف كتوبة غيره ، تكون بينه وبين ربه ، ومضمونها الندم على ما قال ، والعزم على ألا يعود.
وقد اختلف العلماء في هذا الاستثناء ، هل يعود إلى الجملة الأخيرة فقط ، فترفع التوبة الفسق فقط ، ويبقى مردود الشهادة دائما ، وإن تاب وأصلح ، أو يعود إلى الجملتين الثانية والثالثة أو إلى الكل؟
يلاحظ كما ذكرنا أن الآية ذكرت ثلاثة أحكام بثلاث جمل متعاطفة بالواو ، معقبة بالاستثناء ، فاتفق العلماء على أن الاستثناء لا يرجع هنا إلى الجملة الأولى ، فلا يسقط الحد بتوبة القاذف ، للمحافظة على حق العبد وهو المقذوف.
وانحصر الخلاف في عود الاستثناء إلى الجملتين الثانية والثالثة ، أي رد الشهادة والفسق ، فقال الحنفية : إنما يعود الاستثناء إلى الجملة الأخيرة فقط ، فيرتفع الفسق بالتوبة ، ويبقى مردود الشهادة أبدا ؛ لأن قوله تعالى : (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) جملة مستأنفة بصيغة الإخبار ، منقطعة عما قبلها ، لدفع توهم أن القذف لا يكون سببا لثبوت صفة الفسق بهتك عرض المؤمن بلا فائدة ، وإذا كانت الجملة الأخيرة مستأنفة ، توجه الاستثناء إليها وحدها.
وقال الجمهور (المالكية والشافعية والحنابلة) : يعود الاستثناء إلى كلتا الجملتين الثانية والثالثة ؛ لأن جملة (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً) مستأنفة منقطعة عما قبلها ؛ لأنها ليست من تتمة الحد ، وجملة (وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) تبين علة رد الشهادة ، فإذا ارتفع الفسق الذي هو علة بالتوبة ، ارتفع المعلول الذي هو رد الشهادة ، فهذه الجملة تعليل ، لا جملة مستقلة بنفسها ، أي لا تقبلوا شهادتهم لفسقهم ، فإذا زال الفسق فلم لا تقبل شهادتهم؟.