تطلعوا إلى ما لا يحل لكم الاطلاع عليه ، ولا تفاجئوا الساكنين الوادعين ، فتحرجوهم أو تزعجوهم ، فيحدث الاشمئزاز ، والتضايق ، والكراهية.
فلا بد إذن من الاستئذان قبل الدخول والسلام خارج الباب لمعرفة الداخل ، وكان السلام هو المألوف في الماضي حيث لم تكن أبواب الدور محكمة الإغلاق والستر بنحو كاف كاليوم ؛ إذ لم يكن للدور حينئذ ستور.
والاستئناس : الاستعلام (طلب العلم) والاستكشاف ، من آنس الشيء : إذا أبصره ظاهرا مكشوفا ، فمن أراد دخول بيت غيره عليه أن يستأنس ، أي يتعرف من أهله ما يريدون من الإذن له بالدخول وعدمه ، فهو بمعنى الاستئذان ، بدليل قوله تعالى : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ ، فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [النور ٢٤ / ٥٩]. وكان ابن عباس على الأصح فيما روي عنه يفسر الاستئناس بالاستئذان ، ولا يحصل الاستئناس إلا بعد حصول الإذن بعد الاستئذان.
ويكون الاستئذان ندبا ثلاث مرات ، فإن أذن للزائر وإلا انصرف ، كما ثبت في الصحيح لدى مالك وأحمد والشيخين وأبي داود عن أبي موسى وأبي سعيد معا أن أبا موسى الأشعري حين استأذن على عمر ثلاثا ، فلم يؤذن له انصرف ، ثم قال عمر : ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن؟ ائذنوا له ، فطلبوه فوجدوه قد ذهب ، فلما جاء بعد ذلك قال : ما أرجعك؟ قال : إني استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي ، وإني سمعت النبي صلىاللهعليهوسلم يقول : «إذا استأذن أحدكم ثلاثا ، فلم يؤذن له فلينصرف» الحديث.
وظاهر الآية أنه لا بد قبل الدخول من الاستئذان والسلام معا ، إلا أن الأول مطلوب على سبيل الوجوب ، والثاني على سبيل الندب كما هو حكم السلام في كل موضع. لكن الواجب في الاستئذان هو مرة واحدة ، وأما الثلاث فهو مندوب ، كما تقدم.