والاستئذان واجب ولو كان الطارق أعمى ؛ لأن من عورات البيوت ما يدرك بالسمع ، وقد يتأذى أهل البيت بدخول الأعمى ، وأما الحديث المتقدم : «إنما جعل الاستئذان من أجل البصر» فهو بحسب الغالب المعتاد.
ولا فرق في وجوب الاستئذان بين الرجال والنساء ، والمحارم وغير المحارم ؛ لأن الحكم عام ، ولو كان الزائر والدا أو ولدا ، قال رجل للنبي صلىاللهعليهوسلم ـ فيما رواه مالك في الموطأ عن عطاء بن يسار ـ : أأستأذن يا رسول الله على أمي؟ فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «نعم» قال : ليس لها خادم غيري ، أأستأذن عليها كلما دخلت عليها؟ قال : «أتحب أن تراها عريانة؟» قال : لا ، قال : «فاستأذن عليها». وأخرج ابن جرير والبيهقي عن ابن مسعود قال : «عليكم أن تستأذنوا أمهاتكم وأخواتكم». وروى الطبري عن طاوس قال : «ما من امرأة أكره إلي أن أرى عورتها من ذات محرم» وعلى هذا يكون الاستئذان على المحارم واجبا وتركه غير جائز ، واستدل ابن عباس عن ذلك بقوله تعالى : (وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ولم يفرق بين من كان أجنبيا أو ذا رحم محرم.
وقوله تعالى : (بُيُوتاً) نكرة في سياق النهي فتفيد العموم الشامل للبيوت المسكونة وغير المسكونة ، لكن الآية التالية : (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ) يقتضي حمل الآية الأولى على المسكونة فقط ، ويصير المعنى : أيها المخاطبون لا تدخلوا بيوتا مسكونة لغيركم حتى تستأنسوا.
ثم ذكر تعالى حكمة الأمر بالاستئذان والسلام فقال :
(ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) يعني الاستئذان والسلام خير وأفضل للطرفين : المستأذن وأهل البيت ، من الدخول بغتة ، ومن تحية الجاهلية ، فقد كان الرجل منهم إذا دخل بيتا غير بيته قال : حييتم صباحا ، وحييتم مساء ،