مختلفة ، بضرب الأمثال ، وعقد التشبيهات ، وتصوير المعاني بصور المحسوسات المألوفة ، لترسيخها في الأذهان ، وتثبيتها في أعماق الفؤاد والنفس ، فيصير الإيمان راسخا في القلب كالجبال الراسيات. وهذا من مزايا القرآن البلاغية الرائعة أنه يصور المعقولات والمعاني بصور الماديات والمحسوسات.
(وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) أي والله عالم علما تاما شاملا بجميع الأشياء المعقولة والحسية ، الباطنة والظاهرة ، يمنح الهداية لمن كان أهلا لها ، مستعدا لتلقيها. وهذا وعد لمن أعمل فكره ووعى وسائل الهداية ، ووعيد لمن أعرض ، فلم يتدبر ولم يتفكر فيها ، ولم يكترث بها.
والخلاصة : هذا مثل نور الله وهداه في قلب المؤمن ، فكما يكاد الزيت الصافي يضيء قبل أن تمسه النار ، فإذا مسّته ازداد ضوءا على ضوء ، يكاد قلب المؤمن يعمل بالهدى قبل أن يأتيه العلم ، فإذا جاء ازداد هدى على هدى ، ونورا على نور.
فقه الحياة أو الأحكام :
هذه الآية لا يراد بها ظاهرها وإنما هي مؤولة ، وتأويلها مختلف فيه ، وأصح التأويلات ما ذكره جمهور المتكلمين وابن عباس وأنس (١) : وهو أن الله هادي أهل السموات والأرض ، وهداية الله تعالى قد بلغت في الظهور والجلاء إلى أقصى الغايات ، وتلك الهداية هي الآيات البينات القائمة في الكون والمنزلة على الرسل بمنزلة المشكاة التي تكون فيها زجاجة صافية ، وفي الزجاجة مصباح يتّقد بزيت بالغ النهاية في الصفاء.
ومثل نور الله أي صفة دلائله التي يقذفها في قلب المؤمن ، مثل المصباح الذي تكاملت فيه وسائل الإنارة وهي المشكاة (الكوّة في الحائط غير النافذة)
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢٣ / ٢٣١ وما بعدها.