وهي أجمع للضوء ، والمصباح فيها أكثر إنارة منه في غيرها ، والزجاجة لأنها جسم شفّاف ، والمصباح فيه أنور منه في غير الزجاج ، فصارت الزجاجة في الإنارة والضوء كالكوكب الدرّي المتلألئ ، والزيت الصافي النقي النابع من زيتون شجرة كثيرة المنافع ، تتعرض للشمس والهواء طوال النهار ، فهي ليست شرقية فحسب وهي التي تصيبها الشمس إذا شرقت ، ولا تصيبها لوجود الساتر الحاجب إذا غربت ، وليست غربية فحسب عكس الشرقية : وهي التي تصيبها الشمس إذا غربت ولا تصيبها وقت الشروق ، فليست خالصة للشرق فتسمى شرقية ولا للغرب فتسمى غربية ، بل هي شرقية غربية ، في صحراء واسعة من الأرض ، لا يواريها عن الشمس شيء ، وهو أجود لزيتها.
والأنوار مترادفة متضاعفة مجتمعة مع بعضها ، كذلك قلب المؤمن يزداد إيمانا وهداية بأضواء القرآن وهداية الله تعالى.
والله تعالى يبين الأشياء بالأمثال الحسية وغيرها تقريبا إلى الأفهام ، وهو عليم بكل شيء يحقق المراد ، وبمن هو أهل للهداية والضلال.
فهذا مثل للقرآن في قلب المؤمن ، فكما أن هذا المصباح يستضاء به ولا ينقص ، فكذلك القرآن يهتدى به ولا ينقص ، فالمصباح القرآن ، والزجاجة قلب المؤمن ، والمشكاة لسانه وفهمه ، والشجرة المباركة شجرة الوحي. ويكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار : معناه تكاد حجج القرآن تتضح ولو لم يقرأ. و (نُورٌ عَلى نُورٍ) : معناه أن القرآن نور من الله تعالى لخلقه ، مع ما أقام لهم من الدلائل والاعلام قبل نزول القرآن ، فازدادوا بذلك نورا على نور ، وهذا النور عزيز لا يناله إلا من أراد الله هداه ، والله أعلم بالمهديّ والضالّ.
وأما ما لا تعلق له بالآية : فيجوز أن يقال : لله تعالى نور ، من جهة المدح ؛ لأنه أوجد الأشياء ، ونور جميع الأشياء : منه ابتداؤها ، وعنه صدورها.