تجعلني فيهم ، ونجني منهم ولا تعذبني بعذابهم ؛ لأن العذاب قد يصيب غير أهله ، كما قال تعالى : (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) [الأنفال ٨ / ٢٥] روى الإمام أحمد والترمذي وصححه أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقول : «وإذا أردت بقوم فتنة ، فتوفني إليك غير مفتون».
وعن الحسن : أنه تعالى أخبر نبيه أن له في أمته نقمة ، ولم يطلعه على وقتها ، فأمره بهذا الدعاء.
والإرشاد إلى هذا الدعاء ليعظم أجره ، وليكون دائما ذاكرا ربّه ، ولتعليمنا ذلك.
(وَإِنَّا عَلى أَنْ نُرِيَكَ ما نَعِدُهُمْ لَقادِرُونَ) أي لو شئنا لأريناك ما نوقعه بهم من النقم والبلاء والمحن ، ولكنا نؤخره لوقت معلوم ؛ لأن بعضهم أو بعض ذرياتهم سيؤمن.
ثم علمه أسلوب الدعوة حتى يتحقق لها النجاح فقال :
(ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ ، نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) أي قابل السيئة بالحسنة ، وتحمل ما تتعرض له من أنواع أذى الكفار وتكذيبهم ، وادفع بالخصلة التي هي أحسن ، بالصفح والعفو ، والصبر على الأذى ، والكلام الجميل كالسلام ، نحن على علم بحالهم وبما يصفوننا به من الشرك والتكذيب.
ونظير الآية قوله تعالى : (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ ، كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ، وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا ، وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت ٤١ / ٣٤ ـ ٣٥] أي وما يلهم هذه الوصية أو هذه الخصلة إلا الذين صبروا على أذى الناس ، فعاملوهم بالجميل في مقابلة القبيح ، وما يلهمها إلا صاحب الحظ العظيم في الدنيا والآخرة. وقيل : هذه الآية منسوخة بآية السيف ، وقيل : محكمة ؛ لأن المداراة مرغوب فيها ، ما لم تتعارض مع الدين والمروءة.