الثاني ـ (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) أي إن جهنم بئس المنزل مستقرا ومنظرا يستقر فيه ، وبئس المقيل مقاما. وهذا أمر لا شك فيه يعلمه كل من اكتوى بشيء من نار الدنيا.
٥ ـ الاعتدال في الإنفاق : (وَالَّذِينَ إِذا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكانَ بَيْنَ ذلِكَ قَواماً) أي والذين إذا أنفقوا على أنفسهم أو عيالهم ليسوا بالمبذّرين في إنفاقهم ، فلا ينفقون فوق الحاجة ، ولا بالبخلاء ، فيقصرون في حقهم وفيما يجب عليهم ، بل ينفقون عدلا وسطا خيارا ، بقدر الحاجة ، وخير الأمور أوسطها ، كما قال تعالى : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ ، وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) [الإسراء ١٧ / ٢٩] أي الوسطية في الاعتدال ، وترك الإسراف والتقتير.
وهذا أساس الاقتصاد وعماد الإنفاق في الإسلام ، روى الإمام أحمد عن أبي الدرداء عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «من فقه الرجل قصده في معيشته». وروى الإمام أحمد أيضا عن عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما عال من اقتصد». وروى الحافظ أبو بكر البزّار عن حذيفة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ما أحسن القصد في الغنى ، وما أحسن القصد في الفقر ، وما أحسن القصد في العبادة».
فالتبذير سبب في ضياع مال الشخص ومال الأمة : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ) [الإسراء ١٧ / ٢٧] ومن المعلوم أنه لا سرف في الخير ، ولا خير في السرف ، قال الحسن البصري : ليس في النفقة في سبيل الله سرف. وقال إياس بن معاوية : ما جاوزت به أمر الله تعالى فهو سرف. وقال عبد الملك بن مروان لعمر بن عبد العزيز حين زوّجه ابنته فاطمة : ما نفقتك؟ فقال له عمر : الحسنة بين سيئتين ، ثم تلا هذه الآية. وقال عمر بن الخطاب : كفى بالمرء سرفا