وحده ، أو إن كنتم ذوي قلوب موقنة وأبصار نافذة ، والمعنى : إن كان يرجى منكم الإيقان الذي يؤدي إليه النظر الصحيح ، نفعكم هذا الجواب ، وإلا لم ينفع.
(قالَ لِمَنْ حَوْلَهُ) قال فرعون لأشراف قومه (أَلا تَسْتَمِعُونَ) جوابه الذي لم يطابق السؤال ، سألته عن حقيقة رب العالمين ، فذكر أفعاله ، أو يزعم أنه رب السموات وهي متحركة بذواتها وغير محتاجة إلى مؤثر ، وهذا مذهب الدهرية ، وفيه تعجب من نسبة الربوبية إلى غيره.
(قالَ : رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) قال موسى : إنه رب جميع الخلائق وإنه رب المشرق والمغرب ، وهذا وإن كان داخلا فيما قبله الذي استوعب به الخلائق كلها ، فإنه تخصيص بعد تعميم ، لأنه أقرب إلى الناظر وأوضح عند التأمل. (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) أسأله عن شيء ويجيبني عن آخر ، وسماه رسولا على سبيل السخرية.
(قالَ : رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَما بَيْنَهُما) قال موسى : إنه الرب الذي تشاهدون آثاره كل يوم ، فيأتي بالشمس من المشرق ، ويحركها على مدار غير مدار اليوم الذي قبله ، حتى يبلغها إلى المغرب على وجه نافع ينتظم به أمور الكائنات. (إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) إن كان لكم عقل علمتم ألا جواب لكم فوق ذاك. إنه بقوله السابق : (إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ) لاينهم أولا ، ثم لما رأى شدتهم وخشانتهم عارضهم بمثل مقالتهم.
(قالَ : لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ) قال فرعون ، عدولا إلى التهديد عن المحاجة والمناظرة ، وهكذا شأن المعاند المحجوج. وهذا دليل على ادعائه الألوهية وإنكاره للصانع. واللام في المسجونين للعهد ، أي ممن عرفت حالهم في سجوني ، فإن سجنه كان شديدا ، يحبس الشخص في مكان تحت الأرض وحده ، لا يبصر ولا يسمع فيه أحدا ، حتى يموت ، فكان ذلك أشد من القتل.
(قالَ : أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُبِينٍ) أي قال له موسى : أتفعل ذلك ولو جئتك ببرهان على رسالتي يعني المعجزة. والواو في قوله : (أَوَ) واو الحال ، دخلت عليها همزة الاستفهام. (قالَ : فَأْتِ بِهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ) أي قال فرعون له : فائت به إن كنت صادقا في أن لك بينة ، أو في دعواك النبوة ، فإن مدعي النبوة لا بد له من حجة.
المناسبة :
لما سمع فرعون جواب موسى عما طعن به فيه وهو القتل والتربية ، ورأى أن موسى وهارون مصران على دعوتهما إلى توحيد الله ، وطلبهما إخراج بني إسرائيل من مصر ، شرع في الاعتراض على الدعوى ، فبدأ بالاستفسار عن حقيقة المرسل