يطلبونها ، فقال : (رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ) أي أن الله خالقهم وخالق آبائهم الأوائل ، فانحدارهم من آباء فنوا ، ووجودهم بعد أن لم يكونوا ، دليل على أنه لا بدّ لهم من مغيّر ، فهم محدثون ، ولا بد لهم من مكوّن وهم مخلوقون.
لم يجد فرعون جوابا ، فلجأ إلى التهكم والاستخفاف واتهم موسى بالجنون ؛ لأنه لا يجيب عما سأله تماما.
فأجابه موسى ثالثا بقوله : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) أي إن الله هو مسيّر نظام الكون كله ، ومحرك هذا العالم بأجمعه في نظام بديع لا يعرف الخلل والاضطراب ، ومالك جميع أنحاء الأرض ، أما فرعون فيملك بلدا واحدا ، لا سلطان له على غيره ، فهل من عقل يدرك هذا ، وهل من إدراك يؤدي بهم إلى ضرورة الإيمان بصاحب الملك المطلق ، وأن المالك الجزئي عبث وسفه وجنون أن يكون إلها ، فمن إله بقية العالم؟
ولما هزم فرعون أمام حجة موسى ، لم يجد بدا من استخدام السلطة الإرهابية ، فتوعد موسى بالسجن ، وذلك عين الضعف ، مع أنه كما يروى كان سجنه أشد من القتل ، وكان إذا سجن أحدا ، لم يخرجه من سجنه حتى يموت ، فكان مخوفا.
ولكن التأييد الإلهي أشد نفاذا وإرهابا وإقناعا ، ولا يجدي معه توعد فرعون ، ويهون أمامه كل مخاوف الدنيا ، فحينئذ طلب موسى عليهالسلام إثبات صدق دعواه النبوة بالمعجزة الخارقة للعادة التي لا تحدث إلا على يد نبي أو رسول بإحداث الله تعالى وإيجاده ، فقبل فرعون إظهار تلك المعجزة ، ظنا منه أنه سيبطلها ، ويأتي بما يعارضها.