التفسير والبيان :
بعد أن وافق فرعون على إظهار موسى عليهالسلام معجزته ، أظهرها ، فقال تعالى : (فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ) أي رمى موسى عصاه من يده ، فانقلبت ثعبانا واضحا ظاهرا ، لا لبس فيه ، ولا تمويه ولا تخييل. روي أنه لما انقلبت حية ، ارتفعت في السماء قدر ميل ، ثم انحطت مقبلة إلى فرعون ، وجعلت تقول : يا موسى ، مرني بما شئت ، ويقول فرعون : يا موسى ، أسألك بالذي أرسلك إلا أخذتها ، فعادت عصا (١).
والسبب في قوله هنا : (ثُعْبانٌ مُبِينٌ) وفي آية أخرى : (فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى) [طه ٢٠ / ٢٠] وفي آية ثالثة : (كَأَنَّها جَانٌ) [القصص ٢٨ / ٣١] : أن الحية اسم الجنس ، ثم إنها لكبرها صارت ثعبانا ، وشبهها بالجان لخفتها وسرعتها.
ولما أتى موسى عليهالسلام بهذه الآية قال له فرعون : هل غيرها؟ قال : نعم ، وهذا في الآية التالية :
(وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذا هِيَ بَيْضاءُ لِلنَّاظِرِينَ) أي أدخل موسى يده في جيبه ، ثم أخرجها ، فإذا هي بيضاء تلمع وتتلألأ للناظرين ، لها شعاع كالشمس ، يكاد يغشى الأبصار ، ويسدّ الأفق.
ومع هذا كله ، أراد فرعون تعمية الأمر ، فبادر بشقاوته إلى التكذيب والعناد ، فذكر أمورا ثلاثة :
١ ـ (قالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ : إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ) أي قال لحاشيته من القادة وأشراف قومه الذين حوله : إن هذا الرجل لبارع في السحر ، يريد بذلك وصف فعله بأنه سحر لا معجز. ثم هيجهم وحرضهم على مخالفته والكفر به فقال :
__________________
(١) تفسير الرازي ٢٤ / ١٣١ ، الكشاف ٢ / ٤٢٤.