وجوههم ، وأنه تعالى ألقاهم بما تعهدهم به من التوفيق. (رَبِّ مُوسى وَهارُونَ) فيه إشعار بأن موجب إيمانهم ما أجراه الله على يدي موسى وهارون ؛ لعلمهم بأن ما شاهدوه من العصا لا يتأتى بالسحر.
(قالَ : آمَنْتُمْ لَهُ) قال فرعون أآمنتم لموسى. (آذَنَ لَكُمْ) أنا. (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) إن المسؤول هو كبيركم موسى الذي علمكم شيئا دون شيء ، ولذلك غلبكم ، وتواطأتم على ما حدث. أراد بذلك التلبيس على قومه لئلا يعتقدوا أنهم آمنوا عن بصيرة وظهور حق. (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وبال ما فعلتم ، وما ينالكم مني.
(لا ضَيْرَ) لا ضرر علينا في ذلك وفيما يلحقنا من عذاب الدنيا. (إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) أي إنا راجعون في الآخرة بعد موتنا إلى الله ربنا بأي وجه كان ، فالصبر على الإيمان محاء للذنوب موجب للثواب والقرب من الله تعالى. (إِنَّا نَطْمَعُ) نرجو. (أَنْ كُنَّا) بأن كنا أو لأن. (أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) في زماننا.
التفسير والبيان :
أراد فرعون وقومه القبط أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، فأبى الله إلا أن يتم نوره ، ولو كره الكافرون ، وهذا شأن الإيمان والكفر ، والحق والباطل ، ما تواجها وتقابلا إلا غلب الإيمان الكفر: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ ، فَيَدْمَغُهُ ، فَإِذا هُوَ زاهِقٌ ، وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ) [الأنبياء ٢١ / ١٨] ، (وَقُلْ : جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ ، إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً) [الإسراء ١٧ / ٨١].
وهذا مشهد من مشاهد الصراع بين الحق والباطل ، قال تعالى :
(فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ) جمع السحرة وجاؤوا من أقاليم مصر ، في اليوم المخصص للقاء موسى ، وهو وقت الضحى من يوم الزينة (العيد) كما حدد موسى : (قالَ : مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ ، وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى) [طه ٢٠ / ٥٩] والميقات : ما وقت به الزمان أو المكان ، ومنه مواقيت الإحرام.
وكان السحرة أسحر الناس وأصنعهم وأشدهم تخييلا في ذلك ، وكانوا هم الفئة المثقفة ، وكانوا جمعا كثيرا ، قيل : كانوا اثني عشر ألفا ، وقيل أكثر ، والله أعلم