وقوله (عَلى قَلْبِكَ) دليل على أن القرآن محفوظ ، وأن الرسول صلىاللهعليهوسلم متمكن منه ، وثابت في وعيه ؛ لأن القلب موضع التمييز ، ومركز الحواس الروحية ، ومحل الإدراك والوعي ، كما قال تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ) [ق ٥٠ / ٣٧] ، وقال صلىاللهعليهوسلم فيما أخرجه الصحيحان : «ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب». وندد تعالى بأن قلوب الكفار مغلقة ، فقال : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [محمد ٤٧ / ٢٤] ، وقال : (فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ ، وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) [الحج ٢٢ / ٤٦].
وقوله : (بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) توبيخ للمشركين في مكة وتقريع لهم وتحريض على الإيمان به ، فإنهم كذبوه لا لعسر فهمه ، فهو بلغتهم ، وإنما بسبب العناد والاستكبار والأنفة.
وقوله : (مِنَ الْمُنْذِرِينَ) يدخل تحت الإنذار الدعاء إلى كل واجب من علم وعمل ، والمنع من كل قبيح ؛ لأنه في كلا الحالين يوجد الخوف من العقاب.
(وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) أي وإن ذكر هذا القرآن والتنويه به لموجود في كتب المتقدمين المأثورة عن أنبيائهم الذين بشروا به في قديم الدهر وحديثه ، عملا بالميثاق الذي أخذ به عليهم ، وعبر عنه آخرهم وهو عيسى مبشرا بأحمد : (وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ : يا بَنِي إِسْرائِيلَ ، إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ ، مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ ، وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) [الصف ٦١ / ٦] والزبر هنا : هي الكتب ، وهي جمع زبور ، ومنها زبور داود أي كتابه. وكذلك جميع الكتب السابقة المنزلة على الأنبياء بشرت بالنبي صلىاللهعليهوسلم وبأنه سينزل عليه قرآن يشهد بصدقها ، ويهيمن عليها : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ ، وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا ، فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ، فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) [البقرة ٢ / ٨٩]. وقال سبحانه أيضا : (وَأَنْزَلْنا