وبعد أن بيّن الله تعالى بالدليلين المذكورين نبوة محمد صلىاللهعليهوسلم وصدق لهجته ، بيّن بعدئذ أن هؤلاء الكفار لا تنفعهم الدلائل ولا البراهين ، فقال :
(وَلَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ ، فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ) أي ولو فرضنا أننا أنزلنا هذا القرآن على بعض الأعاجم ، وهم الذين لا ينطقون باللغة العربية ، فضلا عن أن يقدروا على نظم مثله ، فقرأه عليهم فصيحا معجزا متحدى به ، لكفروا به أيضا ، كما جاء في آية أخرى : (وَلَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ) [فصلت ٤١ / ٤٤] ، وذلك بحجة عدم فهمهم له. أما العرب الذين نزل القرآن بلغتهم ، وسمعوه وفهموه وعرفوا فصاحته وإعجازه ، فلا عذر لهم في عدم الإيمان به.
وعلى هذا ، الأمر سيّان ، فسواء أنزلنا هذا القرآن على رجل عربي بلسان عربي مبين ، فسمعوه وفهموه وعرفوا فصاحته وإعجازه ، أو أنزلناه على أعجمي لا يحسن العربية لكفروا به.
وهذا دليل ملموس على تعنت كفار قريش وعنادهم وشدة كفرهم ، مع أنهم عرفوا الحق ، وأدركوا سرّ فصاحة القرآن وبلاغته ، ولكنهم تجاهلوه عصبية وأنفة واستكبارا. وفيه أيضا تسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وتخفيف لأحزانه لإعراض قومه عن الإيمان برسالته.
ثم أكد الله تعالى هذا الموقف المتعنت فقال :
(كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) أي أدخلناه ومكنّاه ، والمعنى : مثل إدخالنا التكذيب به بقراءة الأعجمي على العرب ، أدخلنا التكذيب به في قلوب المجرمين كفار قريش. والمقصود أنه مهما فعلنا من إنزال القرآن على عربي أو أعجمي ، فلا سبيل إلى أن يتغيروا عما هم عليه من الجحود والإنكار ، فإن الكفر به والتكذيب له متمكن في قلوبهم ، فلا ينفعهم في اقتلاع الكفر من