ببعض ، لنعلم من يطيع ممن يعصي ، فالناس طبقات في الغنى والفقر ، والعلم والجهل ، والفهم والغباء ، والصحة والمرض ، وصاحب النعمة مسئول عمن حرم منها ، والله قادر على منح الدنيا رسله الكرام ، ولكنه أراد تساميهم عن الدنيا ، وحشد طاقاتهم وأعمالهم للآخرة ، ليقتدى بهم ، كما أراد سبحانه ابتلاء العباد بهم وابتلاءهم بالعباد ، ليعرف المطيع من العاصي ، والمسالم من المؤذي.
(أَتَصْبِرُونَ ، وَكانَ رَبُّكَ بَصِيراً) أي اصبروا على ما أراده الله لكم ، وكان ربك أيها الرسول بصيرا بمن يصبر وبمن يجزع ، وبمن يستقيم وبمن يتنكر لطريق الحق ، فيجازي كلا منهم بما يستحقه من ثواب وعقاب.
روى أبو الدرداء عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ويل للعالم من الجاهل ، وويل للسلطان من الرعية ، وويل للرعية من السلطان ، وويل للمالك من المملوك ، وويل للشديد من الضعيف ، وللضعيف من الشديد ، بعضهم لبعض فتنة» وقرأ هذه الآية ، أسنده الثعلبيرحمهالله تعالى.
وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «يقول الله تعالى: إني مبتليك ومبتلي بك» وفي مسند أحمد عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة».
وفي صحيح البخاري أنه صلىاللهعليهوسلم خيّر بين أن يكون نبيا ملكا ، أو عبدا رسولا ، فاختار أن يكون عبدا رسولا.
وقال مقاتل : إن الآية نزلت في أبي جهل بن هشام ، والوليد بن المغيرة ، والعاص بن وائل وغيرهم من أشراف قريش حين رأوا أبا ذر ، وعبد الله بن مسعود ، وعمارا ، وبلالا ، وصهيبا ، وسالما مولى أبي حذيفة ، قالوا : أنسلم فنكون مثل هؤلاء؟! فأنزل الله تعالى يخاطب هؤلاء المؤمنين : (أَتَصْبِرُونَ)؟ أي على ما ترون من هذه الحال الشديدة والفقر والجهد