والإيذاء ، كأنه جعل إمهال الكفار والتوسعة عليهم فتنة للمؤمنين ، أي اختبارا لهم. ولما صبر المسلمون أنزل الله فيهم : (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا)(١) [المؤمنون ٢٣ / ١١١].
فقه الحياة أو الأحكام :
دلت الآية على أن الرسل عليهمالسلام كباقي البشر فيما عدا إنزال الوحي عليهم ، وتخلقهم بالأخلاق العالية ، وقيامهم بالأعمال الطيبة بدرجة تفوق غيرهم ، فهم يأكلون ويشربون ويتاجرون في الأسواق.
والآية أصل في وجوب اتخاذ الأسباب ، وإباحة طلب المعاش بالتجارة والصناعة وغير ذلك. وقد تكرر هذا المعنى في القرآن في غير موضع.
ودل قوله تعالى : (وَجَعَلْنا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً) على أن الدنيا دار بلاء وامتحان ، فأراد سبحانه أن يجعل بعض الناس امتحانا واختبارا لبعض على العموم الذي يشمل كل مؤمن وكافر ، فالصحيح فتنة للمريض ، والغني فتنة للفقير ، والفقير الصابر فتنة للغني ، ومعنى هذا أن كل واحد مختبر بصاحبه ، فعلى الغني مواساة الفقير وألا يسخر منه ، وعلى الفقير ألا يحسد الغني ولا يأخذ منه إلا ما أعطاه ، وأن يصبر كل واحد منهما على الحق.
والله سبحانه يأمر بالصبر على كل حال ، حتى لا يهتز إيمان أحد ، ويفوض الأمر في كل شيء إلى الله تعالى.
والله تعالى بصير بكل امرئ وبمن يصبر أو يجزع ، ومن يؤمن ومن لا يؤمن ، وبمن أدى ما عليه من الحق ومن لا يؤدّي.
__________________
(١) تفسير القرطبي : ١٣ / ١٨ ـ ١٩