(الرَّحْمنُ ، فَسْئَلْ بِهِ خَبِيراً) أي إن ذلك الخالق هو العظيم الرحمة بكم ، فلا تتكلوا إلا عليه ، واستعلم أيها السامع من هو خبير به ، عالم بعظمته ، فاتبعه واقتد به. ومن المعلوم أنه لا أحد أعلم بالله ولا أخبر به من عبده ورسوله محمد صلىاللهعليهوسلم ، فما قاله فهو الحق ، وما أخبر به فهو الصدق ، وهو الإمام المحكم فيما يتنازع فيه البشر : (إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى) [النجم ٥٣ / ٤].
تبين مما ذكر أن الله سبحانه لما أمر الرسول صلىاللهعليهوسلم بأن يتوكل عليه ، وصف نفسه بأمور ثلاثة هي :
الأول ـ أنه حي لا يموت ، وهو قوله : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ).
الثاني ـ أنه عالم بجميع المعلومات ، وهو قوله : (وَكَفى بِهِ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً).
الثالث ـ أنه قادر على جميع الممكنات ، وهو المراد من قوله : (الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما) لأنه لما كان هو الخالق للسموات والأرض وما بينهما ولا خالق سواه ، ثبت أنه هو القادر على جميع وجوه المنافع ودفع المضارّ ، وأن النعم كلها من جهته ، فحينئذ لا يجوز التوكل إلا عليه.
أما الكفار فقابلوا الشكر والتوكل بالكفر والاعتماد على النفس ، فقال تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ : اسْجُدُوا لِلرَّحْمنِ قالُوا : وَمَا الرَّحْمنُ) أي وإذا طلب منهم السجود لله الرحمن الرحيم ، وعبادته وحده دون سواه ، قالوا : لا نعرف الرحمن ، وكانوا ينكرون أن يسمّى الله باسم (الرَّحْمنُ) وإذا كنا لا نعرف الرحمن فكيف نسجد له. وهذا شبيه بقول موسى لفرعون : (إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) [الأعراف ٧ / ١٠٤] فقال فرعون : (وَما رَبُّ الْعالَمِينَ) [الشعراء ٢٦ / ٢٣].